آخر كلام

المهرجانات.. ثقافة أم تجارة أم سياحة؟

 

 

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمي

 

 منذ القدم ابتكر الإنسان أساليب مختلفة للترفيه والتسلية عن نفسه، ومع الوقت ونمو المجتمعات بدأت الجماعات تحتفل بمناسباتهم المختلفة  دينية أو ثقافية أو اجتماعية، على شكل تظاهرة جماعية يجتمع فيها الناس للاحتفال بالمناسبة في جو من الترفيه .اتخذت الاحتفالات شكلا أكثر تطورا ومنظما مع نمو المجتمعات وأصبحت بعض الاحتفالات تتكرر سنويًا في نفس الوقت، تحت مسمى مهرجان التي تعود جذورها اللغوية إلى الفارسية.

من أبرز المهرجانات العالمية  ذات تاريخ  عريق كرنفال ريو بالبرازيل،الذي بدأ في القرن السابع عشر حتى اليوم، وكرنفال البندقية والذي نشأ في القرن الحادي عشر، ومهرجان القمر أو عيد الحصاد الذي يحتفل به الصينيون في كل من الصين وماليزيا وسنغافورة واليابان وكوريا وفيتنام، مهرجان هولي بالهند ومهرجان يوم الموتى بالمكسيك..وغيرها الكثير، كل المهرجانات السابقة عبارة عن  مجموعة من الفعاليات التراثية والثقافية والترفيهية والموسيقية التي تعكس ثقافة الشعوب وعاداتهم وتستقطب الزوار من مختلف دول العالم لما تقدمه من  تميز.

بعض الدول وظفت  التعدد الثقافي والتنوع المناخي، في تنظيم عدد من المهرجانات والفعاليات على مدار العام، وفي كل المواسم،  كما فعلت تركيا التي تقيم مجموعة كبيرة من المهرجانات تصل إلى الألف وأكثر في العام الواحد، ما بين مهرجانات وطنية وثقافية ودينية وموسمية وتراثية وموسيقية وسينمائية وفنون وغيرها الكثير، التي تقام على كل أراضيها من مدن وقرى، لذلك لا يتوقف تدفق السيّاح طوال العام.

في المهرجانات تتوحد المجتمعات،عبر أزيائها ومأكولاتها التقليدية والحرف التقليدية وفنونها المختلفة، فهي فرصة للتبادل الثقافي بين السياح وأبناء المجتمع.  تشير الدراسات إلى أن المهرجانات والفعاليات التي تقام على مدار العام تنشط القطاع الاقتصادي، وتساعد على تعزيز رأس المال الفكري والثقافي، فهي فرصة ذهبية للتبادل الثقافي بين الشعوب، والتعرف على الحضارات المختلفة، وتساهم في الترويج للدولة، والجذب السياحي وتضعها على خارطة السياحة  العالمية، فالمهرجانات تستقطب اهتمام الإعلام العالمي وتخصص لها مساحات خاصة في وسائلها ضمن الأحداث المهمة، فهي تحفز السائح على السفر وزيارة الدولة.

تلعب المهرجانات دورًا مهمًا في دعم الاقتصاد، وتنميته، وتساعد على تطوير الاقتصاد السياحي، فزيارة السائح إلى دولة ما، تعني تنشيط قطاع النقل والضيافة والإيواء والاستهلاك والتسوق فترة حضوره للمهرجان ويحفز المستثمرين لضخ أموالهم في مشروعات تنعش القطاع الاقتصادي، فالكل مستفيد.

المهرجانات  ليست مجرد  فعالية والسلام، هي فكرة تؤثر على عملية اقتصادية متكاملة وتتأثر بها كافة القطاعات في البلاد؛ لذلك  يجب التخطيط  بشكل سليم ومحترف، بحيث يستنفع منها الجميع. وغالبا ما تبتكر الدول أفكارا جديدة لمهرجانات قائمة لتحقيق القيمة التنافسية والحصول على موقع في قائمة مهرجانات العالم، والبعد عن  الروتين، ويتوقف نجاح المهرجانات على عنصري التفرد والإبداع والتخطيط الجيد.

يحصر البعض مفهوم المهرجانات في الفعاليات الترفيهية، ومجموعة من العروض والألعاب ومنتجات استهلاكية بلا ملامح أو أهداف، لذلك نرى نسخا متكررة من الفعاليات التي لا تتغير، ولا تقدم محتوى هادفًا. وهذا النوع من الفعاليات يسيء للصورة الذهنية للسياحة والمجتمع بشكل عام، وعلى مدى تمكن القائمين على تنظيم فعالية يبرز جمالية المكان ويجذب الزوار، بالتالي سينعكس ذلك على رغبة الزوار في الحضور والمؤسسات في المشاركة مستقبلًا.

معظم الدول حددث توجها أو عدة توجهات لإقامة المهرجانات، فهناك من اختارت تنظيم المهرجانات الثقافية والأخرى اختارت السياحية، حتى اليوم لم نرَ توجها واضحا من قبل الجهات المنظمة للمهرجانات.

من الضروري تحديد الغرض من إقامة المهرجانات قبل تنظيمها، كي نتمكن من قياس النتائج، إن قطاع المهرجانات والفعاليات، من القطاعات الحيوية التي  تحتاج إلى روح الإبداع، وإلى أفكار جديدة لم تستهلك بعد، وعقليات منفتحة على كل جديد، وسرعة الإنجاز وقوة تسويقية، وهذا لا يتحقق إلا بمنح القطاع الخاص أولوية تنظيم المهرجانات ويكون دور القطاع العام والجهات المسؤولة وضع الأطار العام والضوابط التنظيمية للفعاليات ومن ثم طرح مناقصات عامة يتنافس عليها القطاع الخاص على التنظيم والإدارة. فالإبداع لا يتوافق مع طبيعة لوائح القطاع العام  لأنه غير مبني على أسس تجارية والإجراءات فيها تستهلك وقتا أطول، كما أن  المهرجانات كعمل إبداعي تجاري يحتاج سرعة في عملية اتخاذ القرارات والإنجاز.

حان الوقت لدعم القطاع الخاص بتسهيلات أكبر، لإقامة فعاليات ثقافية وسياحية وترفيهية ورياضية وتراثية وموسيقية... وغيرها؛ لتنشيط السوق، فمن الضروري أن يتولى القطاع الأهلي، تنظيم عدد من المهرجانات الوطنية والموسمية في المدن والقرى، لإبراز المقومات الجمالية والسياحية والتراثية للسلطنة، على أن تكون فعاليات سنوية، يتم الترويج لها عبر وسائل الإعلام محليا، وخارجيا وعبر السفارات.

إن قطاع الفعاليات والمهرجانات، يدر المليارات سنويا على الدول، وتعد من القطاعات النشطة اقتصاديا، فالمهرجانات ليست فقط إقامة مجموعة من الفعاليات في مكان ما؛ بل إدارة متكاملة، ومتخصصة تقوم على استراتيجية واضحة، وأهداف مراد تحقيقها على المدى القريب والبعيد، ولا تنتهي مع إسدال الستار على المهرجان بل تبدأ معه، بالتخطيط لمهرجان آخر بأفكار مختلفة مدروسة، يعدها متخصصون في مجال تسويق الفعاليات واقتصاديون ونخبة من المبدعين المحترفين، فلا جدوى من تنظيم فعاليات لا تحقق الطموحات الاقتصادية فذلك يكون أقرب إلى تجريد المهرجان من أهدافه الرئيسة.