ناجي بن جمعة البلوشي
عندما يتعلق الأمر بالأمن الغذائي لسلطنتنا الحبيبة، فإننا نفكر في طرق مبتكرة ومستحدثة وربما تكون مجنونة؛ وذلك للاستفادة من كل المقومات والموارد الطبيعية المستدامة؛ حيث إننا لا نألو جهدًا بالإطلاق في وضع أي مقترح بين أيدي المختصين ونظنه سيسمو ببلدنا العزيز إلى مستويات مرموقة، نطمح بكل تأكيد منها لوضعه في مستويات السقف الأعلى من الطموح، حتى وإن كان بعض تلك المقترحات والأفكار تبدو ضربًا من الجنون عند البعض.
ولذا نقترح في هذا المقال تطبيق الزراعة فوق أو على جانبي مياه السدود الموجودة في عمان؛ حيث من خلال تدقيقنا في مشاريع السدود العملاقة التي صُرفت ولا تزال تصرف عليها مئات الملايين، لاحظنا وجود حلقة فارغة في الاستفادة الفعلية منها بكل الجوانب التي يمكن لنا الاستفادة منها، فهناك جوانب كان بالامكان تفعيلها والعمل عليها ومنها ما تتعلق بالطاقة الكهرومائية أو المشاريع السياحية أو المقترحات الزراعية؛ حيث تحظى السدود أو الثروة المائية بشكل عام في سلطنة عمان على الاهتمام الكبير، وفي هذا الجانب المائي، كانت الاهداف ترتكز على بناء السدود للحماية من التبعات الكارثية من المصاب المائية والاستفادة منها في التغذية الجوفية فقط، ولا تهتم بشيء أكثر من ذلك، وهنا يكمن الخطأ وقلة التدبر في مثل تلك المشاريع الوطنية. ففي حين نحن بحاجة إلى المياه واستدامتها نحن أيضًا بحاجة ماسة لبحوث علمية ودراسات مستقبلية مستفيضة عند تنفيذ تلك المشاريع المنفذة لهذه الاستدامة ولتواكب تلك التوجهات كل نواحي الاستفادة إن لم يكن الابتعاد عن الخسارة عند وضع تلك المشاريع.
وعندما لا نراعي في اختيارنا مواقع محطات تحلية المياه من البحار ولا ننظر لها بمنظور شامل في كل جوانب الاستفادة، فإنه وربما في المستقبل ستسبب تلك المشاريع في معاناة ما، ومثال ذلك وجود ثلاث محطات تحلية للمياه على ضفاف بحر عمان. وهنا نظن- وربما سيبقى ظنًا ما لم يتم تأكيده علميًا- أن كميات الملح المرجعة فيه ستؤدي في المستقبل إلى التغير في معادلة الأحياء البحرية والتكامل البيئي البحري، وبالتالي فإننا سنفقد ثروة بحرية من هذه الاستفادة، وهذا التأثير سيكون مستقبليًا لن نعلمه إلا من خلال التبحر في البحث العلمي الذي لا بُد أن يؤكد أو ينفي ذلك. وكما إنني أظن ذلك، فإنني أظن أيضًا أن وجودها في بحر العرب يبدو لي أكثر جدوى، وذلك لارتباط ذلك البحر بالمحيط الواسع أو لبيع المياه مستقبلًا للدول المجاورة.
أما فيما نحن فيه من بناء السدود والاستفادة منها الاستفادة المثلى، فهنا أقول بأنه كان علينا التفكير في كل مشروع على حدة، والنظر فيما يمكن لنا صنعه وابتكاره من مشاريع أخرى مرتبطة بذات المشروع؛ لتتمازج معه في الإنتاج واسترجاع كل الأموال التي تم إنفاقها عليه عند بنائه، فسد ولاية قريات "سد وادي ضيقة" من السدود المكلفة جدًا لكنه ما زال ينتظر الحكومة والمستثمرين للاستفادة منه. وعندما نذكر قريات فلنا على بلادنا حق، فولاية قريات التي تملك اليوم أكبر ثروة وطنية مستقبلية على الإطلاق نراها لم تحظ بذلك الاهتمام الذي يتمناه أهلها من الحكومة؛ فالولاية شبه معزولة عن محافظة مسقط العاصمة السياسية للسلطنة، بينما كانت من قبل تحظى باهتمام وتقارب أكبر عمّا هي عليه اليوم؛ حيث يبدو لنا مخطط "مسقط الكبرى" متوجه باتجاه الشمال لا إلى الشرق؛ حيث ولاية قريات، كما إن المشاريع السياحية الاستثمارية غدت من النسيان، فبين كل خطوة وخطوة عقد من الزمان.
والبنية الأساسية لكل دولة تمثل الفارق الذي يحقق لها النهوض الحضاري عمن سواها من الدول، ولذا فإننا نرى أن وجود السدود فرصةً مجديةً يمكن لنا استغلالها في زراعة الحشائش والمنتجات الأخرى من الخضروات الورقية وغيرها من المنتجات التي لا تحتاج إلى تربة، ويمكن زراعتها في المياه عبر الطرق المبتكرة في هذه النوع من الزراعات. فماذا لو بدأنا باستغلال وجودها من اليوم ولو بطرق تجريبية لنضع فارقًا في الإنتاج المحلي من منتجات الزراعة المائية والاستفادة منها بشكل تجاري، سواء كانت تلك المنتجات للإنسان او للأعلاف الحيوانية التي أرّقت مضاجع مالكي الثروة الحيوانية ومربيها.