صالح البلوشي
في تطوّر غير متوقّع، شنَّ الكيان الإسرائيلي فجر الجمعة 13 يونيو الجاري عدوانًا مباشرًا على إيران، مستهدفًا منشآتها الحيوية وقياداتها العسكرية، في هجوم شكّل تحوّلًا خطيرًا في مشهد الصراع الإقليمي.
وقد جاءت الضربة قاسية ومباغتة، طالت منشآت نووية، واغتالت قادة عسكريين بارزين وعلماء في مجال الطاقة النووية، بعضهم في منازلهم، كاشفةً عن اختراق أمني غير مسبوق أربك الداخل الإيراني، وأدهش العالم.
للحظة، بدا لنا أنَّ المشهد يتّجه نحو انهيار وشيك للنظام، وأن الساعات التي ستلي ذلك قد تكون كفيلة بطي صفحة الجمهورية الإسلامية.
غير أنَّ حسابات الواقع خالفت التقديرات المسبقة؛ فبعد ساعات قليلة فقط، استعادت إيران زمام المبادرة، وردّت بسلسلة من الضربات الصاروخية الباليستية التي زرعت الرعب في قلب الكيان الإسرائيلي، وأجبرت مئات الآلاف على الاحتماء في الملاجئ، وشاهد العالم، عبر البث المباشر، كيف تحوّلت تل أبيب إلى مشهد شبيه بما تعانيه غزة: دمار، حرائق، جرحى، وقتلى، ومبانٍ منهارة على رؤوس ساكنيها. إنها المرة الأولى منذ نكبة عام 1948 التي تشهد فيها المدن الإسرائيلية مثل هذا الحجم من الدمار المباشر.
الهجمات الإيرانية، التي بات العالم يترقبها مساء كل يوم وأحيانا بالصباح، دفعت الاحتلال إلى البحث عن مخرج. لكنه لم يكن يستطيع إعلان الفشل رسميًا، لأنَّ ذلك يعني الاعتراف بالهزيمة، وهو ما تجنّبته تل أبيب بكل الوسائل، وفي الوقت نفسه، لم تحقق إسرائيل أيًّا من الأهداف الثلاثة التي أعلنتها عند بداية العدوان: لا النظام سقط، بل ازدادت شعبيته داخليًا والتفّت حوله حتى أطراف معارضة، ولا المنشآت النووية دُمّرت، ولا الصواريخ الإيرانية توقّفت، بل استمرّت في قصف العمق الإسرائيلي.
وقد لجأت الولايات المتحدة، في الساعات الأولى من صباح الأحد 22 يونيو 2025، إلى توجيه ضربات لمواقع إيرانية قالت إنها تضم منشآت نووية، مدعيةً أنَّها لم تعد موجودة. غير أن طهران سارعت إلى نفي ذلك، فيما شكّكت بعض وسائل الإعلام الغربية في دقة الرواية الأمريكية.
وكان هذا التدخل الأمريكي نتيجة مباشرة لاستنجاد إسرائيل بواشنطن، بعد أن أدركت أنها غير قادرة على مواجهة إيران وحدها في معركة مفتوحة، لا سيما مع استمرار الضربات الصاروخية التي أربكت منظومتها الدفاعية وأرهقت جبهتها الداخلية.
وقد أسهم هذا التدخل في إقناع تل أبيب بقبول وقف إطلاق النار، رغم أنَّ الأهداف التي شُنّ العدوان من أجلها بقيت بعيدة عن التحقق.
في المقابل، ورغم التصريحات المتكررة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي زعم مرارًا أن "إيران اليوم في أضعف حالاتها"، أثبتت طهران أنها لا تزال تمتلك زمام المبادرة والقدرة على الصمود في وجه أعتى الهجمات. لقد خاضت معركة وجود حقيقية، لم يكن فيها مجال للمناورة أو التراجع. كان الخيار الوحيد هو المواجهة، وقد اختارت المواجهة بكل شجاعة وثبات، ونجحت في قلب المعادلة بإجبار العدو على طلب وقف إطلاق النَّار، دون أن يتحقق أيٌّ من أهدافه المُعلنة.
لكن هذه المعركة، رغم قسوتها، ليست سوى فصلٍ في صراع طويل؛ فالعدو الذي عرفه الجميع بنكث العهود ونقض الاتفاقات، لا يزال يتربّص، ويقف خلفه رئيسٌ لا يخجل من الاعتراف بأنه دخل المفاوضات بنوايا حرب. أما التهديد الداخلي فلا يقلّ خطورة، فشبكات التجسّس والعملاء لا تزال فاعلة، وقد تُستخدم لتنفيذ عمليات اغتيال أو زعزعة الاستقرار من الداخل.
وفي ظل هذا المشهد المُلتهب، يظل موقف سلطنة عُمان موضع تقدير، لدبلوماسيتها المتزنة ومواقفها المبدئية في دعم السلم الإقليمي ودرء الصراعات.
لقد وقفت عُمان- كما عهدناها- إلى جانب الحق، وسعت إلى نزع فتيل الأزمة، في وقتٍ تزداد فيه الحاجة إلى العقلاء والعقلانية.