د. عبدالله الأشعل **
أخيرًا اعترفت إسرائيل رسميًا يوم 25 ديسمبر 2024 بأنَّها من أزاح نظام الرئيس السوري بشار الأسد، كما أنها هي التي اغتالت كلًا من القائد إسماعيل هنية زعيم حركة "حماس" في العاصمة الإيرانية طهران، وحسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني، وقد قيل الكثير لدس السم في العسل ضد إيران، العدو اللدود لإسرائيل، من خلال استعداء قسم من الشعب السوري ضد إيران وروسيا.
وللإيضاح نُركِّز شرحنا في الملاحظات الآتية:
أولًا: أن الرئيس الأسد الابن والوالد ظهر أنهما ارتكبا جرائم فظيعة ضد أفراد الشعب السوري. صحيح أنَّ معظم النظم في الدول المُتخلِّفة تعتقد أن التنكيل بالمعارضين هو دفاع عن الوطن، ولو سُجن الشعب كله وقُطِّع إربًا؛ فهذه تضحية من الشعب في سبيل الوطن، وهذه قاعدة عامة رأيناها في العالم العربي!
ثانيًا: يبدو أن بشار الأسد اعتقد أنَّه يدافع عن الدولة السورية وأن تعذيب المواطن والمبالغة في ذلك فداءً للدولة السورية، وربما اعتقد أن المحافظة على الدولة بأي ثمن هو قمَّة الوطنية، خاصةً وأنه حدث تحول خطير جعل الأسد المتوحش على الثورة بطلًا في الدفاع عن الدولة التي تكالبت عليها عشرات الدول، وقد ركَّز ليس على كرامة المواطن، لكن ركَّز على دعم سوريا للمقاومة ضد إسرائيل، ولا شك أن دعم المقاومة شيء، والفُحش في التنكيل بالمعارضين أمر مختلف لغير المُنافقين للنظام. لا بُد من الإدانة الكاملة لكل نظام لا يُؤمن بأن المواطن الحُر هو أساس الدولة الحُرة، وليس كما قال الصحفي المصري محمد حسنين هيكل "حرية الوطن مُقدمة على حرية المواطن"، لأنه بذلك كأنما أجاز للحاكم أن يستعبد الشعب مقابل أن يكون هدفه حرية الدولة تجاه الدول الأخرى.
ثالثًا: لا دعم القومية ولا دعم المقاومة ولا التعصب ضد إسرائيل يُبرِّر مُطلقًا إهدار كرامة المواطن؛ بل بالعكس تأكيد كرامة المواطن مقدمة حتمًا للتصدي لإسرائيل ودعم المقاومة.
رابعًا: أن إيران وروسيا وحزب الله دعموا الجيش السوري في مرحلة الدفاع عن الدولة، ودعموه كحلفاء لهم عدو واحد هم المتطرفون المسلحون من جانب دول لها مصلحة في توظيفهم لتحقيق مصالحها وليس دفاعًا عن المصالح السورية.
والجيش السوري ليس وحده جيش النظام الذي تحوَّل من جيش للدولة إلى جيش للنظام شأنه شأن جيوش عربية أخرى؛ فما دام النظام مُستبدًا فهو يملك كل شيء ويُديره لصالحه. وقد رأى الجيش أن عشرات الدول تُصفِّي حساباتها على حساب الدولة السورية والشعب؛ فالحلفاء الإيرانيون والروس وحزب الله يدافعون عن الدولة السورية كما إن واشنطن تعادي هذه الأطراف.
رابعًا: هل كان الروس والإيرانيون يعلمون أنَّ أجهزة الأسد تُنكِّل بالمواطنين؟! نعلم أن العدو مشترك بين سوريا والحلفاء، وهو الجماعات المسلحة التي تحارب روسيا في الشيشان وتعادي إيران وتُكفِّر الشيعة، ولذلك فإنَّ علاقة إيران وروسيا تدخل في إطار مساعدة الجيش السوري على المحافظة على الدولة السورية، إضافة إلى مصلحتها ضد الجماعات، ولا تساعد النظام بالذات وتُعينه على الجرائم، وإلّا كان ذلك تدخلًا في الشؤون الداخلية السورية، ولا علاقة لها بجرائم النظام.
وهناك فارق بين تحالف روسيا وإيران مع سوريا، وتحالف الغرب مع إسرائيل؛ فإسرائيل تعتدي على الغير وتبيد الشعوب العربية، والغرب يُمدها بوسائل الإبادة ويتستر على جرائمها، وينتهك القانون الدولي، ويُغالط نفسه بالزعم أنَّ إبادة إسرائيل للمنطقة هو دفاع شرعي عن النظام!
خامسًا: التحالف الروسي والإيراني في صف سوريا الدولة، وليس النظام، ويتمنى الغرب أن يضر بالدولة السورية، حتى يحولها من مُسانِد للمقاومة إلى مُستسلم لإسرائيل. وعلاقات التحالف هذه تمنع الحلفاء من مراقبة سلوك النظام السوري مع مواطنيه؛ لأنها من وجهة نظرهم، خارجة عن التحالف، ويُعد الأمر تدخلًا في شؤون سوريا الداخلية.
إنَّ ممارسات نظام الأسد لا يُمكن تبريرها، وأن عداء الغرب لإيران وشن حملة كراهية ضدها في سوريا ولبنان، هدفه ليس مصلحة سوريا، وإنما لأنَّ إيران تُساند المقاومة وتقف ضد إسرائيل.
الخلاصة.. إنَ روسيا وإيران كانتا تدعمان في السابق الدولة السورية، وليستا مسؤولتين عن الجرائم التي ارتكبها النظام؛ لأنهما حليفان وليسا شركاء في الجرائم. ولا ريب أنَّ الهدف من حملة شيطنة إيران وروسيا يتمثل في خدمة إسرائيل، واستهداف المقاومة والحط من شأنها، بينما الغرب شريك لإسرائيل في حرب الإبادة.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا