لا حياة لمن تنادي

 

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي *

قد أسمعت لو ناديت حيًّا *** ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو نار نفخت بها أضاءت *** ولكن أنت تنفخ في رماد

هذه الأبيات اشتهر به الشاعر عمرو بن معد يكرب بن ربيعة الزبيدي، الذي عاش في الفترة بين عامي 525-642هـ، والذي تتوافق أبياته لكي تقال فيمن لا فائدة فيه ولا رجاء.

هذه هي حال العرب والمسلمين من أحداث غزة بعد أكثر من 200 يوم من عدوان غاشم يتعرض له هذا القطاع الباسل، هذا العدوان فيه من الفظاعة والقتل والتنكيل ما لم يخطر ربما على بال بشر، إبادة جماعية للمدنيين العزل من أطفال ونساء وشيوخ وتجويعهم وترويعهم وتدمير كامل لأماكن معيشتهم من قرى ومدن ومستشفيات ومدارس وجامعات ودور عبادة وتدمير كامل لكافة البنية التحتية والمرافق.

جريمة مستمرة بشكل يومي ومكتملة الأركان أمام مرأى الناظر وعدسات قنوات العالم بأسره دون أن يهتز لهم طرف أو ترمش لهم عين.

ومُنذ بداية العدوان كتب من كتب، ونادى من نادى، ولكن لا حياة لمن تنادي.

1- قلنا واستجرنا بنخوة الدين والإسلام وأنَّ المسلم أخو المسلم، وكذلك ضرورة الدفاع عن المقدسات الإسلامية وبيت المقدس الذي بارك الله حوله، وأنَّه أولى القبلتين وثالث الحرمين وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، كما قال رسولنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وذكرنا بأنَّ هذا الشعب يدافع عن مقدساته ولكي تبقى كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، ولكن لا حياة لمن تنادي.

2- قلنا واستجرنا بنخوة العروبة وبأنَّ هؤلا عرب يُقتلون ويُبادون ويهجرون هم أبناء عمومتكم فهم عرب مثلكم في اللغة والتاريخ والمصير، ولكن لا حياة لمن تنادي.

3- قلنا واستجرنا بنخوة الجيرة، فهؤلا هم جيرانكم وما يحل عليهم اليوم قد يحل عليكم غدا وكذلك النبي صلى عليه وسلم أوصى بسابع جار، ولكن لا حياة لمن تنادي.

4- قلنا واستجرنا حتى بحمية الجاهلية وذكرناكم موقعة ذي قار، وهناك مواقع أخرى، من تاريخ العرب في أيامهم الخوالي، وذكرنا على سبيل المثال موقعة ذي قار، عندما أراد ملك الفرس أن يتزوج امرأة عربية غصبًا عن أبيها وقتله غدرًا وعدوانًا، وطلب من إحدى القبائل التي كان قد وضعها أبوها لديهم أمانة تسليمها له فرفضت تلك القبيلة وأعلن عليها الفرس الحرب، وانتفضت قبائل العرب مع تلك القبيلة لمساندتها ضد ظلم وبغي الفرس، في موقعة ذي قار هزم الجيش الفارسي آنذاك ذو القوة في العدد والعتاد؛ فعرب الجاهلية انتفضوا وتوحَّدوا رغم ضعفهم في ذلك الوقت، ووقفوا أمام جيش صنديد لا يُقهر من أجل شرف امراة عربية واحدة، فكيف لم تنتفضوا، أين نخوتكم؟ أين كبرياؤكم؟ وقد تجاوز عدد من قتلوا من النساء من العرب والمسلمات في حرب الإبادة هذه عشرات الآلاف وتجاوز ذلك العدد من الأطفال والشيوخ وأنتم عددكم بالملايين، ولديكم ما لديكم من العدة والعتاد، ولكن لا حياة لمن تنادي.

5- قلنا واستجرنا بضمائر القادة والإرادات السياسية وأحرار هذا العالم، لكي لا تستباح الأخلاق والقيم وتسود روح العدالة؛ فوجدنا دولاً بأسرها باعت الأخلاق والقيم لكي ترضي قيادات سياسية لا حول لها ولا قوة، مسيطر عليها من قبل عصابات الشر والإجرام، وبدلًا من أن تقف هذه الدول مع الحق والعدل وجدناها تُساند هذا الكيان الغاصب المُجرم، وتقف معه وتمده بالمال والسلاح، وكل ما أوتيت من قوة، وتساند وتقف معه كذلك حتى في أضعف الإيمان بأن يدان هذا الكيان بمجرد إدانه بقرارات لا تسمن ولا تغني من جوع في منظمات ما يعرف بمجلس الأمن وغيرها من منظمات تطبِّق أجندات ورغبات دول قوى الشر والبغي؛ وبالتالي لا حياة لمن تنادي لضمائر وأحرار قادات دول العالم.

ولكن رغم هذا الخذلان، ورغم الألم، ورغم وجع الفقد لعزيز أو لدار ظلت تُبنى سنين من تعب وشقى، رغم برد الشتاء وحر الصيف وبأعداد تتجاوز المليونين وهو مشردون بلا مأوى وهو يهيمون في الشوارع ويُقصَفون بلا رحمة بمختلف القذائف من طائرات وسفن ودبابات، وبلا ماء أو طعام لمدة قاربت العشرة أشهر، وارتقع فيها عدد شهدائهم الذين ارتقوا إلى ربهم بعدد اقترب من 39 ألف قتيل وأضعاف من الجرحى والمصابين.

ورغمًا عن ذلك، فإن إرادة الشعب الفلسطيني انتصرتْ بحمدالله، وأصبحت قضيته على كل لسان في هذا العالم، وأصبحت دولة فلسطين واقعًا لا يمكن إنكاره، وأمر تصفية القضية الفلسطينية بمؤمرات وصفقات مخزية أصبح من الماضي، بل إنَّ شعوب العالم انتفضتْ كذلك بفضل الله وصمود هذا الشعب وتضحياته الجسام، وذهبت للتظاهر في الشوارع في المدن والقرى والجامعات، واعترفت هذه الشعوب بدولة فلسطين ورفعت أعلام دولة فلسطين غصبًا عن اتجهات ورغبات قيادتها السياسية في بعض الأحيان.

لقد سجَّل التاريخ شجاعة وقوة إرادة شعب صمد أمام آلة الطغيان بمساندة واضحة وفاضحة من القوى العظمى لمدة أكثر من 200 يوم، دون أن ينكسر رغم أنه قدم سيلا من دماء الشهداء.

وفي الختام.. أيها العرب والمسلمون لقد سنحت لكم الفرصة لكي يُسجل لكم التاريخ هذا الموقف وتقفوا مع إخوانكم في الدين واللغة، لكنكم مع الأسف خذلتموهم فنصرهم الله. وهنا لا يفوتني أن أعبر عن فخري واعتزازي بموقف بلادي الشجاع -حكومة وشعبا- والنابع من قيمها ومبادئها الثابتة، والذي يقف مع الحق والمتمثل أولاً في إنهاء هذا العدوان الغاشم، ومن ثم إنهاء الاحتلال وعودة الأراضي المغتصبة، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف، وكذلك أسجل كلمة شكرا إلى هذا المنبر جريدة "الرؤية " منبر الأحرار والشرفاء الذي تخط فيه أقلامهم من أجل مساندة ومناصرة قضية هذا الشعب المظلوم الذي يطالب بحقه في العيش في أرضه بحرية وكرامة، وأنْ لا تندس مقدساته الدينية الشريفة.

* خبير في الشؤون المالية

تعليق عبر الفيس بوك