هدوء ما قبل العاصفة

 

 

خالد بن سعد الشنفري

 

هدوء ما قبل العاصفة أو الركود المُؤقت قبل العاصفة، مصطلح قديم جدًا على ما يبدو، وقد بدأ هذا التعبير مع البحارة الذين كانوا يعنون به ظاهرة جوية عاينوها نتيجة أسفارهم الطويلة في البحر، وما كانوا يستشعرونه قبل حصول العواصف والأعاصير؛ حيث كان الجو يهدأ ويسكن الهواء ويركد قبل العواصف؛ وهي ظاهرة ديناميكية علمية قد أثبتها العلم في العصر الحديث لسنا بصدد شرحها.

قبل أن أعلم بهذه المعلومة، كنتُ أتساءل كيف يمكن لمن يعيش على اليابسة قديماً أن يتنبأ بأن هدوءًا يسبق عاصفة ما ولم يكن حينها لديهم تقنيات الأرصاد الجوية التي نعرفها حاليًا.

منذ دخول مساء هذا اليوم الأحد 22 أكتوبر 2023، وهذا التعبير لا يُفارق مخيلتي واستشعره تمامًا، خصوصًا ان المركز الوطني للانذار المبكر من المخاطر المتعددة، قد بدأ- منذ ايام- في بث البيانات التحذيرية من اقتراب إعصار "تيج" في بحر العرب قادما الينا في ظفار.

سبق لي أن كتبت عدة مقالات تزامنًا مع بعض الأعاصير الأخيرة التي كثر توافدها علينا في عمان وبالذات ظفار التي تملك تاريخيا أكبر رصيد من أعاصير شهيرة حدثت لها مثل الحيمر والشلي (الغريقة) وغيرها رغم أنني لم أعاصرها أو أعشها؛ حيث يقال إنني من مواليد عام الغريقة أي عام 1959 ولم أعاصر إلا إعصار 1964، وكان عمري حينها خمس سنوات تقريبا، لكن أحداثه ما زالت مغروسة في مخيلتي، وقد كتبت عن ذلك مقال بعنوان "الخندق الكبير" كناية عن الخندق الذي شاهدت أهالي الحافة يحفرونه بوسائل بدائية وسط أكوام من رمال الشاطئ لغرض تسريب المياه التي كادت تغرق الحافة إلى البحر.

رغم أن حالة هدوء ما قبل العاصفة التي أعيشها الآن، ومنذ دخول مساء الإثنين، إلا أنه قد سبقها حراك كبير حثيث لمعظم أجهزتنا ومؤسساتنا العسكرية والدفاع المدني وكافة الأجهزة الحكومية من صحية واجتماعية وخدمية بالتخطيط والتنسيق والتنفيذ لتسخير كافة الإمكانيات المتاحة للتعامل مع هذا الضيف غير المرغوب فيه وتجنب أي أضرار أو مخاطر يسببها للإنسان أهم ثرواتنا في عمان.

مما أسعدني مشاهدته كثيرًا خبر توجه صاحب السمو السيد محافظ ظفار وسعادة الدكتور رئيس بلدية ظفار مع ثلة من المهندسين والفنيين من مختلف الأجهزة الحكومية وأجهزة الدفاع المدني لمعاينة سدي حماية صلالة، وتطميننا على كفاءة والجاهزية العالية للسدين لما هو أكبر من هذا الإعصار، لأنه قد سبق لي أن كتبت مقالا بعد حدوث كارثة إعصار دانيال في سبتمبر الماضي على مدينة درنة الليبية وتسبب سوء صيانة سدي حمايتها في هذه الكارثة التي فقد على إثرها أكثر من 10 آلاف إنسان.

لقد أطلقت على العقد الماضي مسمى "عقد الأعاصير" في عمان والتي كان نصيبنا منها في ظفار ثلاثة أعاصير، وقد أصبح علينا اليوم ليس مجرد الإتعاظ فقط؛ بل الاستعداد مسبقاً لذلك.

حفظ الله بلادنا وشعبها تحت ظل القيادة الرشيدة لمولانا السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله وأبقاه.