كذَّب المغردون.. ولو صدقوا

 

 

 

خالد بن سعد الشنفري

 

أستغربُ من هذه الموجة من الهجوم والانتقادات التي انهالت على موسم خريف ظفار هذا العام، وللأسف أنها صادرة عن عُمانيين وليس من أَغْرابٍ عنا، وقد صُدِمت حتى إخوة أعزاء لنا من دول مجلس التعاون ليقينهم بأنها مُغالى فيها كثيرًا وتفتقد المصداقية من الواقع المعاش لهم بيننا، وهم من يعتبرون أنفسهم نُدماء لخريف ظفار وشركاء فيه، وعايشوه معنا وشاركونا في كل تفاصيله على مدى أكثر من 40 عامًا مضت، فتصدوا لهذه التغريدات بتغريداتٍ مقابلة تُدحضها، فأنعِم وأكرِم بهم.

مع يقيننا أن وصف "مُغرِّد" لا تنطبق على هؤلاء؛ فالتغريد ترتيل جميل يُطرب ويفرح النفس ويبعث السعادة، وما يصدر منهم ليس إلا صراخًا ونعيقًا، والتغريد أساسًا صفة لأصوات غناء الطيور الجميلة، أمّا هؤلاء؛ فالنشاز أو التغريد خارج السرب دَيدنهم، وهم أول من يعلمون أن ما قالوه عارٍ عن الصحة وعن منطق الأمور وطبيعتها، ولا يُعدّ نقدًا؛ فالنقد يبني ولا يهدم، وبالتالي لا يستحقون حتى مجرد الرد عليهم في الأساس، إلّا أن السلاح الذي بأيديهم خطير جدًا، ألا وهو وسائل التواصل التي أصبحت تتجاوز الحدود وتتعدى الآفاق بمجرد كبسة زر على لوحة مفاتيح هاتف محمول باليد الواحدة، وحتى لو كان هؤلاء المُغرِّدون يهرفون بما لا يعرفون! هذا الجهاز الصغير الذي أصبح في كل يد وفي متناول كل غرير لا بُد من كبحه بقانون، وعاجلًا وإلّا سيتغوّل وسيضرّ بالسياحة في بلادنا، ولا بُد من وقفه بقانون.

البداية كانت بالأسعار وبالكرك بمئتين بيسة، دون مراعاة نوعية المقهى الذي يبيعه أو نوع الخدمة التي تُقدَّم فيه؛ مرورًا بالمشلي بثلاثمائة بيسة، دون أن يفهموا أبسط معوّقات شجرة النارجيل في المحافظة، وأن هذه الثمرة قد فتكت بها الأمراض دون مكافحة تُذكر، وقلَّ إنتاج الشجرة الواحدة منها من 500 كُزابة إلى 50 كُزابة، وأنها ما مكنوز ولب مغذٍّ لذيذ وغذاء مكتمل الخواص. أمّا علبة الكولا المسمومة والممقوتة بـ250 بيسة، فبردًا وسلامًا عليهم، ضَعُفَ الطالبُ والمطلوب.

في ذروة الضباب والرذاذ لم يجدوا إلّا موجة بحرٍ تنفّست في الخريف وامتدّت قليلًا على الشاطئ فبلّلت حذاءً هنا وثوبًا هناك، جعلتهم ينعقون تغريدًا وكأنها تسونامي تطاول عليهم ويطالبون الجهات المختصة على الملأ بالتدخل، ولا زلتُ عاجزًا إلى الآن عن فهم التدخل الذي يطالبون به، ولم أجد لهم سببًا أو عذرًا مقبولًا، اللهم إذا أرادوا من الجهات المختصة مخالفة هذه الموجة والمقهى الذي تطاولت عليه!

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد وجدوا ضالتهم بعد ذلك في انقشاعٍ متقطع للضباب وسطوعٍ دافئ للشمس فيه عظيم الفوائد في التسريع بنمو الزرع وفي صحة الإنسان والضرع بعد فترة متواصلة من الضباب والرذاذ، فقالوا: اقرأوا الفاتحة على موسم خريف ظفار؛ فهذا نذير بقرب نهايته أو موته السريري، وعلى من ينوي القدوم إلى ظفار أن يتوقف فورًا حيث هو، وصوّروا لهم الشمس في إشارة وكدليل قطعي على ما يقولون، وأن من سيأتي لن يجد إلا شمسًا كالتي عندهم هناك، وأنهم قد خُدعوا، وطالبوا الجميع بالتوقف عن القدوم إلى المحافظة، وعليهم أن يتوجّهوا إلى أي مكان آخر؛ فهنا مثل ما هناك: مجرد شمس! يا سبحان الله! وكأن الشمس من عمل الشيطان والضباب من عمل الرحمن!

السؤال هو: هل أثّر ذلك على السياحة؟ نعم أثّر، فهنيئًا لكم يا من تدّعون حب الوطن، فلقد شوّهتم الوطن من حيث تدرون أو لا تدرون؛ لأن همّكم الأساسي كان مجرد الشهرة الرخيصة للأسف، عن طريق وسيلة التغريد هذه التي منحها لكم التطور العلمي في وسائل التواصل الاجتماعي لتُدمّروا بها مقدّرات وأرزاق بلدكم وأهلكم، عجبًا لكم.

للأسف الشديد أن قرار العودة للمدارس أعانكم بدوره في تدني حراك موسم هذا العام أيضًا، وقد بُحّت أصواتنا منذ سنين على ضرورة تأخيره تناغمًا مع هذا الموسم المهم اقتصاديًا واجتماعيًا ونفسيًا، وألا تتقاطع معه العودة إلى المدارس؛ فهؤلاء من إخوتنا المعلّمين وأبنائنا الطلبة يشكّلون مع أسرهم -للارتباط الذي يفترض أن لا يخفى على حصيف- أكثر من نصف مجتمعنا العُماني عددًا؛ فلماذا هذا الإصرار على عدم تكييف قرار العودة إلى المدارس مع هذا الموسم الذي يهم عُماننا كلها ودول جوارنا؟
كأني بهذا القرار وهؤلاء المُغرّدين قد اتفقا مع سبق الإصرار على القضاء على أهم مواسمنا السياحية، والذي أصبح ينافس أكبر وأهم المزارات الصيفية في المنطقة.

اللهم إني بلّغت.. اللهم فاشهد.

حفظ الله عُماننا الحبيبة بحفظه وعينه التي لا تنام.

لكن.. ها هو الخريف يعود ليكذبهم، وأقوى مما كان عليه، وكأنه يقول: كذب المُغرّدون ولو صدقوا، ونتوقع بإذن الله استمرار هذا الموسم، ورحمة الله عظيمة، وقد عشنا ذلك مرّات عديدة. ولكن للأسف لن يتمكّن من الاستمتاع به نصف عددنا إلّا من خلال نوافذ الفصول الدراسية المغلقة والمكتظّة بطلابها أصلًا، هذا في محافظة ظفار، أمّا في غيرها من المحافظات فلن يستمتعوا إلا من خلال شاشات التلفاز فقط، للأسف الشديد، ولهم جميعًا نقول: ليس لكم إلا الصبر والسلوان.

ليت النعيق توقّف عند هذا الحد؛ بل تطاول بالسخرية من بداية موسم خريف هذا العام، وبعد أن تواتر وتعارف عليه أهل المنطقة وتوارثوه وتناقلوه جيلًا عن جيل من مئات السنين في الفترة من 21 يونيو إلى 21 سبتمبر من كل عام، قد يتأخر قدومه أو يتأخر مكوثه، وأن أواخره دائمًا نحسبها أجمل من بداياته، وهذه أيضًا لا يحتاج لحصيف يفهمها.

ختامًا.. لن يأتي من الرحمن الرحيم لعباده إلا ما فيه الخير والصلاح لهم، فأهل هذه المنطقة لا يتحكّمون في سير حركة الضباب ولا صنبور الرذاذ والعياذ بالله، ولكن أهل مكة دائمًا أدرى بشعابها.

وفقنا الله جميعًا لما فيه خير وصلاح بلدنا ومجتمعنا العُماني الطيب الشريف العفيف.

الأكثر قراءة