أين مكمن الخلل بالمنظومة التعليمية؟

 

حميد بن مسلم السعيدي

احتل التعليم أولويات الحكومة منذ عهد النهضة عام 1970م، بناء على التوجيهات السامية من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- من أجل بناء الإنسان العماني وفقا لمقتضيات العصر واحتياجاته، ومع عام 2011 صدرت توجيهات من جلالته بضرورة تقييم التعليم والعمل على معالجة مشكلاته وتطويره ليواكب العصر الحديث.

وقد سُخرت في تلك الفترة كل الإمكانيات البشرية والمالية من أجل التعليم، لذا تصدر التعليم قائمة الميزانية المالية للدولة، مما يؤكد مدى الاهتمام  الحكومة في توفير كل الموارد من أجل تطوير التعليم، حتى أن تلك الميزانية التي ضخت في مجال التعليم أضعاف الميزانية التي تصرف في الدول التي احتلت المراكز الأولى في التصنيف العالمي للتعليم، مما يعطي مؤشر على مدى الاستفادة من تلك الموارد في تحقيق طموحات وغايات الوطن العليا، ولكن اليوم أصبح التعليم هاجسًا وطنيا يشغل الرأي العام في ظل وجود أخطاء متعددة في مختلف عناصر المنظومة التعليمية، وهذا الأمر يشكل خطورة كبيرة على أهم مرتكزات الوطن، في الوقت الذي كنا نطالب بتطوير التعليم، نحاول الآن تدارك ما يمكن تداركه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه والتمسك بأقل مستويات التعليم، وهو توفره بأقل الأخطاء في ظل مرحلة أصبحنا نضع فيها أيدنا على قلوبنا  لمستقبل أجيال هذا الوطن، حيث اشعلت البداية للعام الدراسي الجديد الفرحة قصيرة المدى باحتضان المدارس لأبنائنا، ولكنها سرعان ما تحولت على غضب وطني نظير للأحداث التي كانت سببا في قلقنا على كيفية إدارة التعليم في الوطن، هذه الأخطاء تدفعنا للتفكير والتساؤل أين مكمن الخلل في المنظومة التعليمية؟

وشهد بداية العام الدراسي الجديد العديد من الإشكاليات التي تعطي مؤشرات على وجود خلل في إدارة المنظومة التعليمية ومدى قدرة المؤسسة التربوية على القيام بواجبها في توجيه كل الموارد البشرية والمالية من أجل تحقيق التعليم لأهدافه، ولكن هناك مؤشرات وأخطاء لم نكن نعهدها في المنظومة التعليمية أصبحت تمثل هاجسًا وطنيا وشغل بال كل أبناء هذا الوطن، نظرًا للأهمية التي تمثلها المؤسسة التربوية في بناء الفكر والمعرفة والمواطنة لدى أبناء هذا الوطن، في ظل وجود أوجاس خارجية ترصد وتحاول أن تضع الدسائس لهذا الوطن في وحدته وهويته، الأمر الذي يتطلب من المدرسة أن تقوم بواجبها في توجيه طلابنا نحو وحدة الوطن والتمسك بمنجزاته ومقدراته الوطنية والدفاع عنه، والزود عن مكتسباته التي لا يمكن التهاون فيها إطلاقا، فالمجتمع العماني يرفض أن يتم المساس بكل رموز هذا الوطن، وحدوده السياسية والجغرافية، ويرفض المساس بهوية المواطنة العمانية، ويسعى جاهدًا أن يكون يدًا واحدةً تدافع عن وطنها فكرًا وعقلاً وجسدًا وإيمانا بكل مضامين المواطنة التي ينبغي أن تتجسد في أعمالنا الوطنية، هذا المضمون الذي ينبغي أن يغرس في نفوش النشء وأن تقوم المدرسة بواجبها التربوية والتعليمية في تحقيقه.

لكن أن يظهر خطأ في أهم الرموز الوطنية وهي خريطة سلطنة عُمان في وثيقة رسمية صادرة من مؤسسة حكومية وهي الكتاب المدرسي، يعطي مؤشرًا على أن هناك خللا لابد من تداركه وسرعة علاجه لا بإعادة طباعة الكتاب وسحبه من المدرسة فقط، وإنما بالعمل على إعادة بناء المؤسسة التربوية في اختيار الكفاءات الوطنية القادرة على تجويد العمل التربوي، بما ينعكس إيجابا على العمل المؤسساتي في كافة القطاعات التي تنتسب لهذه المؤسسة.

فهذه الأخطاء في الخريطة الجغرافية لسلطنة عمان رافقها خطأ آخر في السور القرآنية التي وردت في بعض الكتب، وهما يمثلان خطا أحمر لا يمكن القبول بوجود خطأ فيهما لأنها يمثلان أحد المرتكزات التي تقوم عليها التعليم بالبلد وهما الدين الإسلامي والمواطنة، وعلينا أن نؤمن أن النقد هو أداة للرقابة على منجزات المؤسسات وأعمالها والتي ينبغي أن تكون على مستوى عالٍ من الجودة، حيث لا يقبل المجتمع أن تقدم له منتجات لا ترتقي للمستوى الذي حققته النهضة العُمانية منذ بدايتها، فالعمل الوطني المجود هو أدواتنا للتحقيق المستقبل لعُمان، فإذا كان يقدم بهذه المستوى فلماذا ننفق تلك الأموال في سبيل التعليم؟ إذا لم يتم تسخيرها بصورة إيجابية في خدمة التعليم!

وفي ظل الحديث عن الأموال التي تنفق في مجال التعليم، يعود بي الأمر للحديث عن تصريح صدر في جريدة الوطن عام 2010 بأنه سيتم إسدال الستار على المدارس المسائية مع بداية العام الدراسي (2014/2015م)، حيث سيتم فيه إغلاق آخر مدرسة مسائية حكومية؛ في حين أن الواقع يتحدث أن عدد المدارس المسائية في تنامٍ حيث بلغت خلال العام الدراسي الماضي (36) مدرسة مسائية، بحيث يبلغ العدد المتأثر من هذه النوع من التعليم (72) مدرسة صباحية مسائية، مع توقع ارتفاعها هذا العام مما يمثل تراجعا كبيرا في التعليم الذي يقدم لأبناء عمان والذي لم نعهده أن نصل إلى هذه المرحلة، مما يوجهنا لصياغة سؤال للحديث عنه مستقبلاً عن دور التخطيط التربوي في هذه المؤسسة؟ والآثار السلبية للتعليم المسائي.

Hm.alsaidi2@gmail.com