د. حميد بن مسلم السعيدي
يسمو الوطن بالقيادة الحكيمة لمولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- في ظل التطور الحديث الذي يمضي به جلالته- أعزه الله- في النهضة المتجددة بهدف النهوض بالإنسان العماني وتوفير الحياة الكريمة له ، وكل الممكنات التي تساعده على المضي قدما في مسيرة التنمية الشاملة للبلد، من أجل رفعة مكانة عمان بين الأمم، وتحقيق رؤية "عمان 2040"، تلك الرؤية التي بدأت بظهور بوادر مؤشرات تدل على وجود حراك مؤسسي فاعل هدفه تحقيق النتائج التي ترضي المجتمع، وما يحدث من تطوير مؤسسي؛ سواءً أكان في إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتطوير التشريعات والقوانين وبرامج العمل، من جهد مخطط له يهدف إلى الارتقاء بعُمان؛ إذ أكد الخطاب السامي لجلالته: "إن الانتقال بعمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتى المجالات، سيكون عنوان المرحلة القادمة بإذن الله، واضعين نصب أعيننا المصلحة العليا للوطن، مسخرين له كافة أسباب الدعم والتمكين، وإننا إذ نُعاهد الله عز وجل على أن نكرس حياتنا من أجل عمان وأبناء عمان كي تستمر مسيرتها الظافرة ونهضتها المباركة".
ويأتي المرسوم السلطاني الخاص بإصدار قانون الحماية الاجتماعية إحدى منطلقات رؤية عمان في سبيل الارتقاء بحياة المواطن العماني؛ إذ ركَّز القانون على العديد من المقاصد السلطانية التي هدفها بناء الإنسان، انطلاقًا من الخطاب السامي لجلالته -أيده الله- في نوفمبر 2020، "... أبناء عمان الأوفياء: وتأكيدًا على اهتمامنا بتوفير الحماية والرعاية، اللازمة لأبنائنا المواطنين؛ فقد وجّهْنا بالإسراع في إرساء نظام الحماية الاجتماعية؛ لضمان قيام الدولة بواجباتها الأساسية، وتوفير الحياة الكريمة لهم وتجنيبهم التأثيرات التي قد تنجم عن بعض التدابير، والسياسات المالية، كما سنحرص على توجيه جزء من عوائد هذه السياسات المالية إلى نظام الحماية الاجتماعية؛ ليصبح بإذن الله تعالى مظلة وطنية شاملة لمختلف جهود وأعمال الحماية والرعاية الاجتماعية".
وتتمثل هذه المقاصد فيما يلي:
المقاصد القانونية: يعد قانون الحماية الاجتماعية خطوة إيجابية في نهج تحقيق أهداف رؤية عمان 2040، فق منظور النظام الأساسي للدولة الذي يؤكد على توفير الحياة الكريمة والآمنة للمواطن العماني، وتوفير له سبل الحياة التي تحفظ حقوقه، وايجاد البيئة التي تساعده على القيام بواجباته الوطنية والمشاركة الفاعلة في خدمة عُمان؛ إذ أكدت المادة (15) من النظام الأساسي للدولة على أن العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع، تكفلها الدولة، كما أكدت أن الدولة تكفل للمواطنين خدمات التأمين الاجتماعي، وتكفل لهم المعونة في حالات الطوارئ، والمرض، والعجز، والشيخوخة، وذلك على النحو الذي يبينه القانون.
المقاصد الاجتماعية: هدفت منظومة الحماية الاجتماعية إلى الاهتمام بالإنسان العماني وتوفير له كل الممكنات التي تساعده على القيام بأدواره الوطنية، فقد حظي الطفل والمرأة باهتمام جلالته -أيده الله- تأكيدًا منه على أهمية رعاية الطفولة والأمومة؛ وهما عنصران أساسيان في بناء المجتمع المنتج للقوى البشرية القادرة على العطاء، لذا كانت من ضمن أولويات المنظومة، من أجل توفير لهم الممكنات التي تساعد المرأة على تنشئة الأطفال التنشئة الايجابية والفاعلة، لذا تضمنت المنظومة العديد من المنافع للطفولة، وكذلك المرأة العمانية، إذ حظيت باهتمام خاص في قانون الحماية الاجتماعية وما تبعه من ترابط مع في قانون العمل الذي صدر في ذات الوقت، مما يعزز من مكانتها الاجتماعية ودورها الأسري في بناء النشء وحُسن تربيتهم؛ لذا فقد تم مراعاتها في العديد من القوانين سواء في الاجازات الخاصة أو سنوات التقاعد، إلى جانب حصولها على العديد من المميزات التي تختلف عن الرجل وفق لاحتياجاتها الخاصة؛ إذ حقق جلالته -حفظه الله ورعاه- مبدأ العدالة الاجتماعية، ووفر للمرأة بيئة العمل المناسبة التي تساعدها على المشاركة الوطنية في بناء عمان، وتمكنها من تربية أبنائها في ذات الوقت.
ولم يغفل القانون فئات المجتمع الأخرى إذ استهدف برنامج المنافع الاجتماعية الفئات التي تحتاج للرعاية والاهتمام، وهي فئة كبار السن، وذوي الإعاقة، والأيتام والأرامل، كبار السن، وهذه الفئات حصلت على دعم مادي كانت بحاجة إليه من أجل الاستفادة منه في العديد من الاحتياجات الأساسية التي يمكن أن يوفرها لها، أضف أن ذلك يوفر الأمن الاجتماعي ويساعد على بناء مجتمع متساوي في الحقوق، فهدفت إلى تعزيز الاستقرار لجميع المواطنين في فترة انخفاض قدرة الفرد على الإنتاج، وساهمت في دعم احتياجات التعليم والرعاية والتغذية، وهدفت إلى تقديم المساعدة للفئات التي تتعرض لفقدان المعيل للأسرة، مما أوجد منظومة متكاملة في أهدافها ومقاصدها.
المقاصد الاقتصادية: جاء قانون الحماية الاجتماعية من خلال إجراء الدمج بين صناديق التقاعد وضمها في مؤسسة واحدة، مما يمنحها القوة المادية التي تُساهم في الاستثمار الاقتصادي والذي يوفر القدرة على الحصول على عوائد مادية، وتُمكن البرنامج من الاعتماد الذاتي على موارده المالية دون الحاجة للحصول على دعم من الحكومة في المستقبل، مما أسهم في توفير بيانات مجتمعية موحدة، وإدارة مركزية في إدارة الموارد المالية للحماية الاجتماعية، ويسهل عملية إجراء العمليات ويقلل من الإجراءات الروتينية المتعددة، ويقلل من الاشتراطات التي كانت تقلل من استفادة فئات المجتمع من هذه المنافع.
أما على مستوى المجتمع فإن القانون سوف يُسهم في زيادة القوة الشرائية، ويحدث حراك اقتصادي، ويعالج العديد من المشكلات الاجتماعية، ويوفر الضمان المادي لجميع أفراد المجتمع، ويؤمن الحياة الكريمة للمواطن، ويقلل من الاعتماد على المجتمع في الحصول على الدعم المادي، مما يساعد على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للأسرة العمانية.
لذا فإننا نفتخر ونعتز بالجهود التي تتحقق في سبيل ذلك رؤية عمان والنهوض بالإنسان العماني وبناءه والاهتمام بإعداد تعليميًا وصحيًا واجتماعيًا، لذا مسيرة عُمان مستمرة في العطاء بتوجيه من جلالته- أعزه الله-: "وسنواصل استلهام جوهرِ المبادئِ والقيمِ ذاتـِها، في إرساءِ مرحلةٍ جديدةٍ، تسيرُ فيها بلادُنا العزيزةُ -بعون ِالله- بخطىً واثقةٍ نحوَ المكانةِ المرموقةِ، التي نصبو إليها جميعًا مكرّسينَ كافةَ مواردِنا، وإمكانياتِنا؛ للوصولِ إليها، وسنحافظُ على مصالحِنا الوطنيةِ باعتبارِها أهمَّ ثوابتِ المرحلةِ القادمةِ التي حددتْ مساراتِها وأهدافها ’رؤيةُ عُمان 2040‘ سعيًا إلى إحداثِ تحولاتٍ نوعيةٍ في كافة مجالاتِ الحياةِ، مجسدةً الإرادةَ الوطنيةَ الجامعة".
يؤكد جلالته -أيده الله- في هذا النص على أن العمل الوطني سوف يستمر بنهج يتوافق مع المتغيرات العالمية، ويسعى إلى تحقيق الرؤية الوطنية في رفعة مكانة عمان بين الأمم، وبناء الإنسان العماني من أجل أن يكون أكثر مقدرة على المشاركة الوطنية، بما يمتلكه من مؤهلات وقدرات على العطاء والإنتاج الوطني، وقانون الحماية الاجتماعية جاء متوافقًا مع التوجهات السامية، ويعكس حجم العمل الوطني الذي يبذل في الرقي بالحياة الاجتماعية والاقتصادي للمجتمع العماني، لذا علينا جميعًا أن نكون شركاء في نجاح هذا العمل والمساهمة في العبور من أجل المستقبل وببناء وطن فاعل ومنتج يحقق رؤيتنا الوطنية التي ساهم الجميع في إعدادها.