صوت من الصحراء.. ماراثون عُمان

 

 

المعتصم البوسعيدي

 

الصحراء صوت العربي العالي مُذ كان في البدءِ وحتى يومنا هذا؛ حيث "تحتلُ الصحراء مساحة كبيرة من بلاد العرب في الوسطِ والشمال والجنوب" لذلك نجد ما يُقارب الأربعين اسم للصحراء في المعاجمِ والأشعارِ العربية، وقد كونت الصحراء شخصية الإنسان "القوي المشتعل إصرارًا وتحدي"، والممتلئ فكرًا عبر مشاهدها وأصواتها الباعثة للتأمل، فكانت "ميقات مكاني لمهبطِ وحي الأنبياء"، "وواديًا عبقري" لجنيات الشعراء، ورحلات تسلية وصيد وتعلم للقادةِ والأمراء، استعذب حياتها المستكشفين والمستشرقين وكافة السياح على اختلاف الهوى وتعدد المقاصد، وما الصحراء العُمانية إلا امتدادا لهذا الكنز الثمين الذي يُضاهي ويُماثل كل الثروات الطبيعية الموجودة في السلطنة.

نقول دائمًا إن تنوع الزرع الجيد يُفضي لحصاد "مِحرز" على قولِ أشقائنا اللُبنانيين، والرياضة فضاء مفتوح، أو بشكل أدق أرض واسعة المدى، كثيرة الخيرات رغم قسوتها، وفي خضمِ خسائرنا المتكررة في "معاركِ" كُرة القدم وغيرها من الألعاب بات من البديهي ضرورة كسب "معارك" في رياضات أخرى، ربما هذا ما أوجدته أحداث مثل طواف عُمان وبطولة العالم للزوارقِ الشراعية "الإكستريم" والرياضات الشاطئية، وعلى ذات النهج جاء صوت من الصحراءِ؛ ليُطلِق "لحنه الرابع" على إيقاع نوفمبر "المجيد" عبر ماراثون عُمان الصحراوي، ماراثون يحمل مضامين وأهداف كثيرة؛ ليس أولها وضع اسم السلطنة على خارطةِ البطولاتِ والأحداثِ الرياضيةِ الدولية، وليس آخرها إثراء الجانب السياحي في كل أنحاء السلطنة؛ باعتبار إقامته على رمالِ الذهب بمحافظتي الشرقية.

 

يأتي ماراثون عُمان الصحراوي مع مشاركة دائمة للأبطالِ الدوليين يتقدمهم حامل اللقب في السباقاتِ الثلاثةِ الماضية البطل المغربي رشيد المرابطي ومجموعة المتسابقين ذوي التصنيف العالمي الأول، مع ترقب واهتمام بالغ للمُشاركة العُمانية؛ خاصة مع النتائج الرائعة للبطل العُماني سامي السعيدي في مثل هذه السباقات سواء كانت داخل أو خارج السلطنة، دون ان ننسى إحرازه المركز الرابع على المستوى الدولي في النسخة الثالثة من هذا الماراثون، كما ان النسخة الجديدة ستشهد إطلالة أولى للعُمانية ميعاد الصبحية في ظلِ ازدهار رياضة المرأة في السلطنة التي ـ ربما ـ تود ان تُلغي هاجس "الكماليات" في مشاركاتِها؛ بالمنافسةِ الحقيقيةِ خلال الاستحقاقات الدولية.

إن ما يُثلج الصدر في ماراثونِ عُمان الصحراوي ذاكَ التوافق الجميل بين الرياضة والسياحة، بين الرياضة والقطاعين العام والخاص، توافق اتضح جليًا في المؤتمرِ الصحفي الموسع الذي كُشف من خلاله تفاصيل الماراثون بتواجد الشخصيات الاعتبارية كمنظمين ورعاة وداعمين، ولعلَّ هذا الأمر يُعطي مؤشرا جيدا في تغييرِ نمطية النظرة السلبيةِ للرياضةِ كونها مصدر ترفيه فقط، ومتى ما كان هذا المؤشر حاضرًا في تعاملنا مع أي رياضة؛ فسأجزم بالنجاح وتحقيق الطموحات المرجوة، فالرياضة أضحت سلعة ذات قيمة، بل إنها عملة ذات وجوه مختلفة: رياضية، إنسانية، تربوية، ثقافية، اجتماعية، سياحية، واستثمار معنوي ومادي جعل من "الفيفا" الاتحاد الدولي لكرة القدم ـ مثلاً ـ أقوى كيان تفوق ميزانيته مجموعة دول متحدة لا دولة واحدة فقط!!، علاوة على هيمنته وسطوته التي لا تسمح لأي تدخل من الحكوماتِ على الاتحاداتِ المنتخبةِ في دولِها طالما كانت تحت مظلة "الفيفا".

 الإشادة واجبة لكذا أحداث، تترابط فيها الغايات وتتحد بها الطاقات؛ والمكاسب وطنية بالدرجةِ الأولى، وتُعزز من دورِ الرياضة على أكثرِ من صعيد، وعلينا ان نسعى كأفراد أو مؤسسات للتفكير "خارج الصندوق" وعلى القطاعين العام والخاص الدفع بعجلة الرياضة نحو الطريق الصحيح، ونحن ـ بهبة الرحمن ـ نمتلك ثروة طبيعية هائلة، وهذا الماراثون ما هو إلا بوح رائع من صوتِ الصحراء التي وإن اقترنت بمعنى "فضاء ممتد، واسع قليل الأمطار، لا تتوفر به المياه ولا العيون الجارية، متفرق العشب والشجر" إلا أنها تظل مصدر الإلهام البشري، وطاقة العملِ والإبداع.