ابن حرب في ملعب اليرموك!

 

المعتصم البوسعيدي

 

على ملعبِ اليرموك صمت يطبقُ على المكان، عيون شاخصة، وكرامة يُدنسُها العدو المتمترِس بعدتهِ وعتاده، وأمةٌ ترى ولا ترى، ماتت نخوتها، واستبيحت عزتها، ولا دماءَ تجري في وريدِها، وليس هناك "ابن حرب" إذ ينبري على الأشهاد "يا نصر الله اقترب.. الثبات الثبات يا معشر المسلمين"، فكيف والطفل يقتل أمام ناظري عائلته، والشاب يساق مُعرى الجسد، والنساء ثكلى، وبياض اللحى يوكز على صدره أن أمضِ نحو قبرك، فأين شرف الأمة وأين رجالها، واحسرتاه!

ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الكيان الصهيوني ملعب اليرموك بقطاع غزة الذي يتعرض لإبادة جماعية وتصفية عنصرية همجية، لكنها المرة الأولى التي يجعل منها هذا العدو الجبان الملعب ساحة نازية على مرأى العالم، هذا العالم المليء بالنفاق وقلة الحياء والأدب، فلا قانون دولياً إنسانياً يوقف انتهاك كل قيمه، ولا هيئة أمم تتحرك مشاعرها، ولا "الفيفا" سطوة المال والاقتصاد وحشود الجماهير "ينبس ببنت شفة"، عار عليكم وأنتم تتعلمون رقصة الشعوب على جثث الشهداء، وتحتفلون في أرض مقدسة عند سفكِ الدماء، ولكن ما الغريب في هذا؛ والقريب القريب ينقلب إلى أهله مسرورا، ضاحكًا لا يعنيه تعذيب أخيه المسلم وقتله وتشريده والتنكيل به، فواحسرتاه!

ملعب اليرموك لم يكن فقط ملعب كرة قدم؛ بل ملعبا رياضيا واجتماعيا ووطنيا بامتياز، والعدو يعلم ذلك تمامًا، كما يعلم أنه لن يقتل روح الحياة في غزة وشعبها، فهم بقية الشرف والكرامة والصمود للإنسانية قبل شرف الأمة الإسلامية على وجه الخصوص، ونحن نرى المقاومة تقدم الدرس تلو الآخر في هذه الأيام العصيبة، فالحرب -في اعتقادي-ليست لغة موت؛ هي الحياة بعينها، والإنسانية في أبهى صورها، والحق الذي لا حياد عنه، أما أصوات النشاز فتلك كدبابة "المريكافا" سقط قناعها "بشواظٍ" من المسافة صفر.

ستُروَى الحكايات الملحمية عن النَّاس العظام في غزة العزة، وفي الجنة موعدٌ لا يخيب، وسترفع الأقلام وتجف الصحف، وستروى قصة ملعب اليرموك بصوت أبي سفيان بن حرب: "والله لا ينجيكم الله من هؤلاء القوم، ولا يبلغ بكم رضوانه غدًا إلا بصدق اللقاء والصبر في المواطن المكروهة ... يا معشر أهل الإسلام: حقٌ ما ترون، فهذا رسول الله، والجنة أمامكم، والشيطان والنار خلفكم" فلا تبالون بوخز العدو، وإن كان بصر "ابن حرب" ذهب في معركة اليرموك الخالدة؛ فإن بصيرته لا زالت تنير الدنيا وتضيء قلوب المظلومين، وما النصر إلا من عند الله.