منظمات المجتمع المدني ورؤية "عُمان 2040"

 

علي العايل الكثيري

 

في ظل الجهود المبذولة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتحول إلى ترسيخ العمل الديمقراطي والشراكة المجتمعية كضرورة تفرضها الحاجة إلى تفعيل سياسة التقارب بين الحاكم والمحكوم، والتعايش السياسي المُلح بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، والذي يعد مدخلا لممارسة الحياة الديمقراطية بكل صورها الإيجابية التي تجعل من الشعب شريكا فاعلا من خلال منظماته وأطره السياسية والاجتماعية والقانونية التي تكفل له حرية الحركة والتعبير دون قيود، فيما يتماشى مع خدمة الوطن والمواطن.

وفي سبيل تحقيق كل ما سبق، لا بُد من إنشاء منظمات مجتمع مدني فاعلة ومؤثرة ذات صلاحيات يكفلها النظام الأساسي للدولة لتكون منظمات فاعلة في المجتمع تشارك الجهاز الإداري للدولة والحكومة في تعزيز التنمية وتقدمها، وكل ذلك لا يتأتى إلا بإيجاد وتفعيل الاتحادات الطلابية والشبابية والاتحادات العمالية والاتحادات النسوية واتحاد الكتاب والأدباء، وكل من له صلة بهذا المجتمع وفئاته المختلفة، إضافة إلى إشراك القوى الوطنية الفاعلة التي تحتاج إلى المشاركة بفعالية في تنمية هذا الوطن كجزء من التعايش السياسي مع الحكومة، لتكون داعمًا وشريكًا في التنمية المستدامة التي تتبناها رؤية "عُمان 2040"؛ حيث يعبر المجتمع المدني عن سلسلة من التطلعات السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية، التي يبحث عنها كل مجتمع يحتاج إلى ممارسة حياة اجتماعية وديمقراطية سليمة، تتسم بالمشاركة الفعالة دون قيود أو حكر للحريات؛ بما يخدم الفعل التنموي والمجتمعي، في حياة تسودها الشفافية والتعاون البناء لخدمة الوطن والإنسان معًا، وذلك لتحقيق مجتمع مدني ديمقراطي سليم ومعاصر، ليلعب دورا أساسيا في التنمية، كلبنة أساسية تقع على عاتقها كل مسؤوليات المجتمع، ورافد أساسي من روافد الدولة، حيث تعمل مؤسسات المجتمع المدني، على مراقبة السياسات الاقتصادية ومراقبة أداء الجهاز الإداري للدولة والمؤسسات ذات الصلة بالمال العام، ومحاربة بؤر الفساد، كما إن مؤسسات المجتمع المدني تعزز الشراكة المجتمعية لتذليل الكثير من الصعاب التي قد تواجه أجهزة الدولة وتخفيف العبء عليها في حل الكثير من السلوكيات الخاطئة في المجتمع وتعزيز وإبراز ما هو مفيد من هذه الممارسات والسلوكيات والعادات الحميدة في المجتمع العُماني، وترسيخ ماهو إيجابي منها، كثوابت اجتماعية يجب الحفاظ عليها.

كما إن الموقف الرسمي للحكومة من القضايا العربية المصيرية، وخاصة ما يحدث في فلسطين وفي غزة بالتحديد، والذي سجل سبقا مشرفا، تجاوز كل المواقف الخليجية، إضافة إلى موقف السلطة الدينية المتمثلة في سماحة المفتي، فإنها تحتاج إلى سند جماهيري تمثله منظمات المجتمع المدني والقوى والشخصيات الوطنية ذات التأثير السياسي والاجتماعي، والتي تستطيع تحريك الجماهير في مثل هذه المواقف المصيرية لتكون سندًا قويًا في الشارع يقوي الموقف الرسمي من هذه القضايا ذات الصلة بالوعي المصيري للأمة، ولهذا فإنَّ منظمات المجتمع المدني والقوى والشخصيات السياسية ذات التأثير السياسي والاجتماعي هي التي تستطيع تحريك الشارع ليكون رافدًا داعمًا للموقف الرسمي الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب قاتل الأطفال والنساء والعجزة، ومن يقف خلفه من المستعمرين ومن لف لفهم،

وبما أن الفعل الثقافي والفكري في المجتمع أصبح أكثر نضجًا ووعيًا، فإنه من الضرورة بمكان تفعيل هذا النضج وما يحيط به من مؤثرات سياسية واجتماعية وأخلاقية فرضها التطور العلمي والتكنولوجي على المجتمعات العربية والتي نحن في عُمان جزءٌ لا يتجزأ منها. وعليه فقد أصبح من الضرورة بمكان تفعيل طاقات هذا المجتمع وتسخيره لخدمة هذا الوطن ومجتمعه، وفق ما يتطلبه العصر من مشاركة ديمقراطية فاعلة، وصهره في المشاركة بفعالية في الحياة السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية، قبل أن تتقاذفه أمواج الصراعات الطائفية والانتماءات السياسية والحزبية التي لا تمت لمجتمعنا بصلة؛ فاستغلال الطاقات الفكرية والسياسية والاقتصادية الوطنية لخدمة هذا الوطن وشعبه، كسمة من سمات التعايش الدمقراطي بين الحاكم والمحكوم، تفرضه ضرورات المرحلة الآنية والمقبلة، فإنه يجسد الوعي الوطني العام، فالمسار الديمقراطي أصبح لا بُد منه كمشاركة مجتمعية يفرضها الواقع السياسي والاقتصادي الذي يمر به العالم اليوم.

ومن هنا وعطفًا على ما سبق، فإنني أرى أنه حان الوقت أن تتفهم الدولة وأجهزتها المختلفة ضرورة ما تطرقت إليه أعلاه من تفعيل وإشراك المجتمع بمؤسساته الوطنية والمجتمعية، وتوسيع رقعة المشاركة لتشمل المؤسسات المجتمعية الموجودة، والعمل على إشراك القطاعات الطلابية والشبابية، في أن تكون لهم مؤسسات مستقلة كاتحادات أو جمعيات طلابية وشبابية، كما هو معمول به في العديد من الدول العربية؛ ففي الدول العربية توجد اتحادات للطلاب وللشباب وللمرأة وللكتاب والأدباء وللعمال، وكل هذه نقابات تشكل نواة المجتمع المدني ومؤسساته الوطنية، وفي عُمان توجد جمعيات لبعض الفئات، وليس اتحادات، وهنا أرى أن الاتحاد أكثر تأثيرًا من الجمعية، وأكثر قبولًا في الأوساط النقابية الأخرى خارج الوطن، إضافة إلى أنني أرى وجوب إشراك القوى الوطنية الفاعلة والقادرة على العمل بفعالية في التعايش السياسي والمساهمة في التنمية الوطنية وتدعيم المسار الوطني لتحقيق رؤية "عُمان 2040".

ولدينا نموذج في مثل هذه المشاركات الفاعلة، وهو من التجارب الناجحة في مجال المشاركة السياسية والاقتصادية وفي كل المجالات التنموية والمجتمعية، وتعد من التجارب الرائدة على مستوى دول الخليج العربي، وأفضل حتى من الكثير من الدول العربية التي تعتبر نفسها ديمقراطية، وهذا النموذج هو دولة الكويت الشقيقة؛ فالتجربة الديمقراطية في الكويت ناجحة ومتميزة، منذ أن استقلت عام 1962، والذي أتمنى أن تحذو حذوه جميع دول مجلس التعاون، لينصب جهد الجميع بكل فئاته السياسية والمجتمعية لخدمة أوطانهم ودرء المخاطر عنها.

تعليق عبر الفيس بوك