أنس يُسلِّم الكلمة للأحرار.. "الوصية الأخيرة"

 

 

سعيد بن حميد الهطالي

"وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" (آل عمران: 169).

في حياة الشعوب المقهورة ثمة لحظات تكتب التاريخ بدمها لا بحبرها، ولحظة أنس جمال الشريف كانت واحدة من تلك اللحظات الخالدة مراسل الجزيرة في قطاع غزة الذي حمل قضيته على كتفيه، وكتب وصيته الأخيرة قبل ساعات من استشهاده وكأنه كان يهيئ العالم لسماع صدى رحليه!

لم تمر ساعات حتى استهدف الغدر الإسرائيلي الغاشم خيمة الصحفيين بجوار مجمع الشفاء الطبي في قطاع غزة ليسقط أنس شهيدًا إلى جوار زميله محمد قريقع، وآخرين -رحمهم الله- في جريمة مروعة من جرائم الطغاة هزت الضمير الإنساني المتبقي في بعض الأمة، وأثارت موجة تنديد عربية ودولية واسعة.

كان أنس في الميدان لا يعرف للخوف طريقًا، يقف ثابتًا مرتديًا درعه الأزرق وخوذته التي لم تحمه من الموت؛ مُمسِكًا بميكروفونه كما يمسك المقاتل سلاحه، خلفه كانت تعصف أصوات القصف والصراخ، وأمامه عدسات العالم التي أراد أن يرى من خلالها الحقيقة كما هي بلا تزييف ولا خوف.. كل كلمة كان ينطقها كانت أشبه برصاصة أشد وقعًا من قنابل المجرمين.. في آخر أيامه جلس ليكتب وصيته وهو يعلم أن القصف يقترب، وأن الموت قد يطرق بابه في أي لحظة.

لم يكن ينقل الأخبار كأي مراسل، كان ينقل وجع غزة النابض في دمائه، وكان صوته شاهدًا على أن الكلمة الحرة قد تكون أثقل من القنابل، وأقوى من جدران الحصار، وعندما أسكتته رصاصة الغدر بقي صوته يتردد في أزقة جباليا ليقول للعالم: " هنا شعب لا ينكسر، وهنا الحقيقة لا تموت".

اللهم ارحم أنس الشريف وزملاءه الشهداء الأبطال، واجعل دماءهم الطاهرة شرفًا ونورًا لأمتهم، واغفر لهم ما تقدم من ذنبهم وما تأخر، واربط على قلوب أهليهم وأحبتهم، وألهمهم الصبر والسلوان، واجعل دماءهم الشريفة لعنة على الظالمين حتى تشرق شمس الحرية على فلسطين، وحسبنا الله ونعم الوكيل و"إنا لله وإنا إليه راجعون".

الأكثر قراءة