الفكر أولًا.. ثم تتحرك الإنجازات

 

 

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

كتبتُ يومًا مقالًا وضعت فيه شخصيةً مُعينةً في دائرة الضوء، وقُلت إنَّ الفكر هو الشرارة الأولى التي تسبق الحركة، وإنه حين نمتلك قلمًا شريفًا يكتب لا ليُهاجم؛ بل ليضيء الزوايا المظلمة، فإننا بذلك نرسم مسارًا جديدًا للوعي، ونمنح المسؤول شرف المحاولة من منصة الفكر لا منصة الاتهام وكذلك وهي دعوة ذاتية لنفسي فإنِّي سوف أحاول التحديد الوظيفي ليس للشخصنة بقدر ما أتمنى أن تتحرك الأمور من خلال الشعور بالمسؤولية.

لقد درجت الشعوب عبر التاريخ على انتظار المعجزة، أو القائد الخارق، أو القرار الحاسم، لكنها في حقيقة الأمر إنما كانت تنتظر الفكرة. ففي بداية كل حضارة فكرة، وفي بداية كل نهضة مفكر، أو كاتب، أو مثقف أضاء العقل الجمعي فأيقظ في الناس شجاعة التغيير. وليس غريبًا أن نرى عبر التاريخ أن المثقفين كانوا دائمًا في صدارة المشهد، ليس لأنهم يملكون المال أو السلطة، بل لأنهم يملكون الوعي، والقدرة على رؤية ما لا يُرى.

وحين نوجه الفكر، فإننا لا نمارس ترفًا ثقافيًا؛ بل نمارس عملًا استباقيًا بالغ الأهمية. نحن نهيّئ المناخ للقرار، ونبني الحاضنة الاجتماعية التي تحتضن الطموح. نحن لا نأمر، ولا نُملِي، لكننا نضيء الطريق.

في ذلك المقال، كانت الشخصية التي وضعتُها في الزاوية الصفر تمثل النمط الإداري التقليدي الذي ينتظر التوجيه دون أن يُبادر، ويخشى الإبداع لأنه لا يملك أدواته. لقد آمنت حينها، كما أؤمن الآن، أن الفرق ليس في المواقع؛ بل في العقول.

نحن لا نكتب لنُدين؛ بل لنُعين. لا ننتقد لنهدم؛ بل لنرشد ونبني. نكتب لأننا نؤمن أن المسؤول في بلادنا ليس غريبًا عن المجتمع، بل هو ابنٌ لهذا الوطن، يحتاج فقط إلى من يُحفّزه فكريًا، ويضعه في مرمى الضوء لا في مرمى النَّار. إن القلم الذي يُوجّه المسؤول برقيّ، يخلق حراكًا داخليًا في دواخل صاحب القرار، فيدفعه إلى تحسين أدائه لا دفاعًا عن نفسه، بل إيمانًا بأنَّ ثمَّة من يراقب، ويحلم، ويؤمن به.

أنا مؤمن؛ بل مُوقن، أنَّ عُمان يمكن أن تكون أفضل، وأكثر إشراقًا، وأقوى حضورًا في محيطها الإقليمي والدولي واقتصادًا. نملك من المقومات ما يكفي، لكننا نحتاج أن نطلق الفكر أولًا. نحتاج إلى نهوض ثقافي موازٍ للمشاريع التنموية، نحتاج إلى مقالات تُكتب بحبّ لا بمرارة، بنقد مسؤول لا بتجريح، وبأمل لا بيأس.

نحتاج أن يثق الكاتب أن كلماته قد تُحدث فرقًا، وأن يثق المسؤول أن النقد لا يعني العداء، وأننا جميعًا نُريد لهذا الوطن أن يسمو، وللعجلة أن تدور، وللإنجاز أن يعلو.

وأخيرًا.. حين نخطط لأي تطوير قادم، يجب أن نضع في الاعتبار أن الكلمة تسبق الفعل، والفكر يسبق القرار، والحلم يسبق الخطة. علينا أن نزرع الفكرة في العقول قبل أن نطالب بالتغيير في الواقع. كل أمةٍ عظيمةٍ بدأت من سؤال: "كيف نُفكر؟" وليس فقط: "ماذا نريد؟". وهكذا نبدأ نحن. من الفكر نُطلق الإشارة، ومن القلم نُضيء الطريق، ومن احترامنا المتبادل بين الكاتب والمسؤول نرسم شكل المستقبل الذي نريده لعُمان… وطن يستحق الأفضل دائمًا. وكذلك فإني واحدٌ ممن تحملوا الكثير من النقد لكتاباتي، وحينما أتحدث فإنني أؤمن أن التضحية من أجل سلطاني المعظم ووطني العزيز وأهلي جميعًا، هو شرف الوجود في هذه الدنيا.

الأكثر قراءة