د. لولوة البورشيد
الربيع العربي، هذا المصطلح الذي أُطلق على موجة الاحتجاجات التي اجتاحت العالم العربي بدءًا من ديسمبر 2010، يحمل في طياته تناقضا يستحق التأمل. هل كان فعلاً "عربيًا" بمعنى أنه وليد الهموم والتطلعات العربية، أم أنه كان "عبريًا"، أي درسًا أو تجربة مفروضة من الخارج تحمل أبعادًا تتجاوز الإرادة المحلية؟ للإجابة، دعونا نستعرض جذور هذه الانتفاضات وسياقها العالمي.
ولا يمكن إنكار أنَّ الربيع العربي بدأ كتعبير عفوي عن واقع عربي مأزوم. في تونس، كان اشتعال جسد محمد البوعزيزي رمزًا للظلم الذي عاشته شرائح واسعة من المجتمع: البطالة، الفساد، والقمع السياسي. هذه الأسباب لم تكن حكرًا على تونس، بل كانت مشتركة بين دول عربية عدة، مما جعل الاحتجاجات تنتشر كالنار في الهشيم إلى مصر، وسوريا، وليبيا، واليمن. الشعارات التي رُفعت، مثل "الشعب يُريد إسقاط النظام"، كانت تعكس غضبا متراكما ضد أنظمة استبدادية حكمت لعقود. من هنا، يمكن القول إن الربيع العربي كان عربيا في جوهره، لأنه استمد زخمه من معاناة شعوب المنطقة.
لكن القصة لا تنتهي هنا. مع تصاعد الأحداث، بدأت تظهر أصابع خارجية تؤثر في مسار الربيع العربي. الدعم الغربي، سواء عبر التغطية الإعلامية المكثفة أو التدخل العسكري كما حدث في ليبيا تحت مظلة حلف الناتو، أثار شكوكًا حول طبيعة هذه الثورات. هل كانت مجرد أدوات في لعبة جيوسياسية أكبر؟ بعض المحللين يرون أن الربيع العربي كان "عبريًا" بمعنى أنه استخدم كدرس أو تجربة لإعادة ترتيب الشرق الأوسط بما يخدم مصالح قوى عالمية. التمويل الخارجي لمنظمات المجتمع المدني، والدعم اللوجستي لبعض الحركات، يعزز هذا التفسير.
نتائج الربيع العربي تضيف بعدًا آخر للنقاش. في تونس، أثمر عن تجربة ديمقراطية واعدة، لكن في سوريا وليبيا تحول إلى حروب مدمرة شهدت تدخلات إقليمية ودولية. في مصر، أُجهضت الثورة بعودة الحكم العسكري. هذه التباينات تشير إلى أن الربيع العربي لم يكن ظاهرة موحدة، بل كان خليطًا من الإرادة الشعبية والتلاعب الخارجي. ربما يكون "عبريًا" في نتائجه، لأنه ترك المنطقة أكثر هشاشة وانقسامًا، لكنه بقي عربيا في نواياه الأولى.
الربيع العربي كان عربياً في انطلاقته، لأنه جاء من قلب المجتمعات العربية وهمومها، لكنه أصبح عبريًا في تطوراته بسبب التدخلات الخارجية التي حولت مساره. إنه يعكس واقعًا معقدًا: ثورات شعبية صادقة استغلت في سياق عالمي أوسع. العبرة الحقيقية ربما تكمن في أن أي تغيير مستدام يحتاج إلى قوة داخلية قادرة على مقاومة التأثيرات الخارجية، وإلا سيظل مجرد درس مؤلم في كتاب التاريخ.