الوضع في سوريا والخرائط الجديدة للشرق الأوسط

 

د. عبدالله الأشعل **

من الواضح أنَّ واشنطن أعلنت أنها سوف تنشئ إسرائيل الكبرى على أقاليم خمس دول عربية وصرحت واشنطن وإسرائيل بذلك علنًا، وحتى تتغير الخرائط التي تُؤمِّن إسرائيل الكبرى وضعت واشنطن جدول الأعمال بعد لبنان.

الصورة واضحة من جانب المراقبين، فقد قررت واشنطن وإسرائيل اتخاذ الإجراءات في مختلف الساحات وأهمها هي:

أولًا في الساحة اللبنانية: العمل بدأ لإضعاف حزب الله والمرحلة الثانية هي تأليب المحيط اللبناني الطائفي أملًا في القضاء على حزب الله وأن يتحول إلى حزب سياسي يمثل الشيعة في لائحة الطوائف اللبنانية، وتقضي عليه كمقاوم وعلى سلاحه وتتفق معظم الطوائف اللبنانية مع هذا الهدف، وكذلك تتفق مع إسرائيل في قطع الصلة بين الحزب وإيران ومنع دوره في سوريا وقطع الصلة بين سوريا ولبنان. وبالطبع إخضاع لبنان لإسرائيل الكبرى، خاصةً وأنَّ الخريطة توضح أن لبنان كلها جزء من إسرائيل الكبرى.

ثانيًا في الساحة السورية: تحويل سوريا من مُقاوِم واسطة العقد بين إيران وحزب الله إلى ساحة ضمن إسرائيل الكبرى. ولذلك فإسرائيل وأمريكا وراء مخطط استيلاء الجماعات المسلحة على السُلطة في دمشق، وفصل سوريا عن إيران وعن حزب الله حتى تأمن إسرائيل الكبرى، وطمس هوية المنطقة العربية الإسلامية وتحويلها إلى الشرق الأوسط الجديد الذي تكون فيه إسرائيل الكبرى هي مركز القرار والصلة مع أمريكا. وتكشف هذه العلاقة بديلًا من علاقة واشنطن بكل الدول العربية وحكامها. وأخيراً، تُرغم سوريا على إبرام اتفاقية استسلام مع إسرائيل بعد تغيير نظام الحكم. وقد حاولت إسرائيل وأمريكا مع بشار الأسد كي ينفصل عن إيران، فلم تفلح الجهود، وبلغ الأمر أنه بعد احتلال أمريكا للعراق أن هدد كولن باول وزير الخارجية الأمريكي الرئيس بشار الأسد صراحةً بأن أمريكا سوف تغزو سوريا كما غزت العراق، ورفض الأسد، فبدأت المؤامرة على سوريا منذ 2011.

ثالثًا في الساحة الفلسطينية: تسعى المؤامرة بعد إبادة غزة إلى إنهاء حماس والمقاومة والاستعانة بالحلفاء العرب المحيطين بإسرائيل لنزع سلاحها وربما الاتفاق على أن يشاركوا في إدارة غزة بدلًا من حماس وبدلًا من السلطة التي لا تريدها إسرائيل. مثل هذه الخطوات ربما تسمح للصهاينة باستيطان غزة وفصلها عن بقية الأراضي الفلسطينية، بحيث يشعر الشعب الفلسطيني أنه متفق مع إسرائيل في جلب السلام والرخاء أو ما تسميه إسرائيل السلام الاقتصادي وتوقف الإبادة، وأن إسرائيل كانت تحرر الشعب الفلسطيني من المقاومة التي تسببت- في نظر إسرائيل- فيما أقدمت عليه إسرائيل من جرائم وإرغام السلطة على سحب القضية ضد إسرائيل من المحكمة الجنائية الدولية، وسحب الدعوى ضد واشنطن في محكمة العدل الدولية منذ عام 2018. وينتهي الأمر باستقرار إسرائيل في فلسطين مع العمل على تهجير أهلها، ثم تبدأ مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تهجير من بقي من الفلسطينيين بعد حرب الإبادة.

لقد نجحت أمريكا في تراجع العروبة والفصل بين القضية الفلسطينية وبين اختراق إسرائيل للعالم العربي، مع التركيزعلى مصر التي يُحتمل إثارة المشاكل من جانبها لإسرائيل.

رابعًا في الساحة العراقية: العراق داخل في إسرائيل الكبرى وتريد إسرائيل أن تفصل سوريا عن العراق، حتى لا تصل إمدادات من العراق أو إيران إلى سوريا. وتريد فك الارتباط بين العراق وإيران مما يُعد تهديدًا خطيرًا للأمن القومي الإيراني، إضافة إلى ضم أراضٍ عراقية إلى ساحة إسرائيل الكبرى، وبذلك تتخلص إسرائيل من المقاومة الإسلامية في العراق واعتماد إيران على العراق كممر إلى الغرب العربي.

خامسًا في الساحة الأردنية: تُريد إسرائيل أن تُبقي على وضع الأردن حاليًا، والضغط عليه لتهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن، وحينئذٍ تعلن إسرائيل الوطن البديل للفلسطينيين، وهو مشروع كانت إسرائيل قد أعلنته في سبعينيات القرن الماضي بعد مأساة 1967، وبداية الاستيطان، خاصة أن 1967 فتحت شهية المشروع الصهيوني  إلى التقدم عبر مصر بموجب اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام.

سادسًا في الساحة المصرية: تريد إسرائيل أن تقتطع جزءًا من سيناء المصرية كي يستوطن فيه أهل غزة، وينسون غزة تمامًا، ولذلك ترى إسرائيل أن الحرب مع مصر قد تكون ضرورية.

سابعًا في الساحة الإيرانية: بعد كسب إسرائيل الساحات الستة السابقة، تسقط إيران كأوراق الخريف في حِجر إسرائيل وأمريكا. وما يهم إسرائيل من إيران هو في البداية تغيير النظام، ولكن قد تكتفي أمريكا وإسرائيل بتغيير سياسات النظام بما يتفق مع المصالح الإسرائيلية التي تسميه إسرائيل أذرع إيران في المنطقة.

فهل تستطيع أمريكا وإسرائيل تنفيذ هذا المُخطط؟ وما موقف تركيا في هذا المخطط؟

هذا ما سنُعالجه في مقال آخر مُستقل.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

الأكثر قراءة