ماذا بعد رفح؟

 

هند الحمدانية

يقول عبدالله ابن المقفع: "من أمن العقوبة أساء الأدب"، ومن تعدى على الآخرين وجاوز كل الحدود وداس الأرض والعرض دون أدنى خوف من أن تقطع يده الممتدة الظالمة أو أن تجتث علاقاته التطبيعية التي تمده بالوجود الوهمي؛ بل على العكس يُقَابَل ظلمه وعدوانه بالدعم و التصفيق من حلفائه الأصليين ومن الخونة المتصهينين من أبناء ملة المعتدى عليه، فلماذا لا يسيء ولماذا لا تطأ دباباته البر والشجر والبشر، ولماذا لا تجتاح إسرائيل معبر رفح؟!

أمِنَت العقوبة الدنيوية، فقتلت الأطفال والنساء والشيوخ واعتدت على الأبرياء وشوهت معالم الحياة وسرقت الأحياء والأموات، فاقتحام إسرائيل لمعبر رفح ليس بالخبر الصادم، بعد كل ما شهدناه من جرائم شنيعة وإبادة عرقية لم يشهد لها تاريخنا المعاصر مثيلًا، ومن همجية وهرج تجاوز كل الاعتبارات الإنسانية ولم يُرد عليه في المقابل إلّا بالتنديد والتحذير، وها هي دبابات العدو اليوم تتجول رافعة العلم الإسرائيلي على محور صلاح الدين (فيلادلفيا) الحدودي، رغم أن كلًا من مصر والأردن حذرتا العدو الإسرائيلي مرارًا من عملية الاجتياح هذه.. فلماذا لا تجتاح إسرائيل معبر رفح وكل معابر الدول العربية، وهي التي أمِنت العقاب وأُكرِمَت من البعض بتسهيل الطرق والممرات والمعابر لحمايتها ونقل بضائعها وتحريك مصالحها ومساندتها على تحقيق شغفها العظيم في البقاء الإستراتيجي وإتمام حلمها الوردي لخارطتها الموعودة من النهر إلى النهر.

أؤمنُ يقينًا أن المقاومة الفلسطينية انتصرت منذ السابع من أكتوبر المجيد، وما يحدث الآن من تبعات ليس سوى ردة فعل ثور هائج، يظن أن هيجانه الأرعن يُمكن أن يُثير في نفوس مجاهديننا الشجعان الخوف. لكن لم يُصِب الثور الإسرائيلي هذه المرة ولم يكن في حسبانه أن هذا الهيجان الظالم سوف ينقلب عليه وعلى مناصريه، ويزيل الغمامة عن الفكر الغربي والأمريكي والعالم ككل، ويكشف كل الأكاذيب والتلفيقات القديمة والحديثة للتتعرى  الصهيونية ولأول مرة في تاريخها لتصبح تحت أنظار العالم بصورتها القبيحة النازية، ويسقط القناع عن دولة إسرائيل التي أُسِسَت على الكذب والتزييف والمؤامرات وتنكشف على حقيقتها والتي ماهي إلا آخر معاقل الاستعمار الاستيطاني في هذا العالم.

أجزم أن كل الشعوب العربية المسلمة تحتفي بالنصر العظيم المُحقق في السابع من أكتوبر المجيد، لم يتخللها الشك في النصر المبين القريب والذي تتوق إليه الأفئدة المؤمنة المطمئنة بوعد الله "ألا إن نصر الله قريب"، ولكن هي فقط تتساءل "الحلم العربي وين؟" مثلما تغنى به البعض منذ سنوات، في محاولة لتخدير مؤقت للألم في الجسد العربي المسلم، والجيوش العربية المسلمة أين؟ والموارد العربية المسلمة أين؟ والبترول من الأرض العربية المسلمة أين؟

هذا السيناريو الذي نعيشه خلال هذه الأشهر الصعبة، والذي اختلطت فيه كل المشاعر بين فرحة النصر وألم غزة والجوع والشهادة وسقوط الأقنعة وتكشف الوجوه بين الأخ والعدو، سيناريو استوعبنا فيه ماذا كان يقصد النبي الكريم بقهر الرجال عندما استعاذ- صلى الله عليه وسلم "من قهر الرجال"، فلقد قُهِرَ الرجال، وهم عاجزون أن يلبوا نداء الأرض المقدسة، قُهِرَ الرجال في كل البلدان العربية المسلمة، وهم يرون النساء المسلمات يُعتدى عليهن في وضح النهار، وهم يرون الإعدامات الظالمة في الساحات وعلى مرأى شاشات هواتف الصهاينة، وهم يرون شعب غزة يموت من الجوع والعطش والدول العربية الجارة تفطر على المعابر، قُهِر الرجال يا رسول الله، وما زلنا نعوذ بالله من قهر الرجال.

فماذا بعد رفح؟ الإجابة باتت ساطعة، والجيوش العربية تلمع سيوفها لمعركة قادمة، والعدو بات يكشف مخططاته بشكل علني وفي مؤتمراته الصحفية يشرح عن دولته الموعودة التي سوف تبتلع أرض العرب من النهر إلى النهر، وجيوشنا تصقل دباباتها وتنتظم على صيانة المحركات لمعركة حاسمة؟ تماما كقصيدة عباس:

عباس وراء المتراس

يقظ منتبه حساس

منذ سنين الفتح يلمع سيفه

ويلمع شاربه أيضًا

منتظرًا.. محتضنًا دفه

بلع السارق ضفة

قلب عباس القرطاس

ضرب الأخماس بأسداس

(بقيت ضفة)

لملم عباس ذخيرته والمتراس

ومضى يصقل سيفه

عبر اللص إليه، وحل ببيته

أصبح ضيفه

قدم عباس له القهوة

ومضى يصقل سيفه

صرخت زوجة عباس: "أبناؤك قتلى، عباس،

ضيفك راودني، عباس،

قم أنقذني يا عباس"

قلب عباس القرطاس، ضرب الأخماس بأسداس،

أرسل برقية تهديد..

فلمن تصقل سيفك يا عباس"؟

(لوقت الشدة)

إذًا.. اصقل سيفك يا عباس

تعليق عبر الفيس بوك