خلفان الطوقي
ملف الاستثمار في عُمان هو الملف الذي لا يمكن وصفه بسهولة، فهناك من يراه سهلاً بحيث يُمكن لمن كان عاملاً أن يتحول إلى مُستثمر، وهناك من يرى أنه الأصعب على الإطلاق، ولا يمكن لأحد أن ينجح فيه إلا من خلال مؤسسة عملاقة صلبة ولديها ملاءة مالية ونفس طويل، وهناك من يرى أن الاستثمار في عُمان كالاستثمار في أي مكان آخر، وكأنه رحلة طويلة، مليئة بالمخاطر والمطبات، وأحياناً كثيرة بالفرص الغنية.
الحديث عن ملف الاستثمار في عُمان مليء بالتناقضات والتساؤلات والهواجس أيضًا، وأقصدُ هنا أبرز ما يدور في محيط المستثمرين: أن السوق العُماني ما زال صغيرًا، وفرص نجاح أي مشروع قليلة أو محدودة، وأن نجاح أي مشروع يعتمد على حسن الاختيار، والدراسة العلمية المتأنية قبل الشروع في التنفيذ.
وهناك من يرى أنَّ المستثمر ليس لديه الصبر لجني النتائج والأرباح، فيلجأ إلى المشاريع السهلة والمكررة (قص ولصق) وقليلة المخاطر، وهناك من ما زال يرى أن الدعم الحكومي قليل، وأن الإجراءات طويلة ومعقدة، وأن الوعود كثيرة مقارنة بما هو متاح من دعم.
إضافة إلى ذلك، هناك من يرى أن الشركات الحكومية ما زالت هي المستحوذة والمُسيْطرة على القطاعات التجارية الحيوية، ولديها الضمانات الكافية للاستمرار والنمو والتوسع والشراكة. وهناك من يرى سياسات التعمين والحمائية الزائدة للمواطن تعيق التوظيف وتُضعفه ولا تُضاعِفه. وهناك من يرى أنَّ نجاح الاستثمار متاحٌ لمن لديه جميع عوامل النجاح من حس تجاري وعلم وخبرة وعلاقات وملاءة مالية وصبر، وغيرها من عوامل شخصية ومؤسسية. وهناك من يرى أن خارطة الاستثمار ليست واضحة، وأنها تحتوي على "تشوُّهات" وإغراق في بعض الأنشطة، واحتكار في أنشطة أخرى. وهناك من يرى أن الاستثمار في عُمان يكون من خلال مؤسسات، وقل ما ندر من أفراد، وأن القادم من أفراد ما هم إلّا سماسرة يبحثون عن رزق مشروع من خلال اقتناص فرصة استثمارية هنا أو هناك، ولا يملكون من المال إلّا قليلًا.
ملف الاستثمار مُتشعِّب، ويحتاج لمزيد من البحث والتقصي، وإلقاء المسؤولية على الحكومة أمر طبيعي، ومن الطبيعي أيضًا ردّها وتحميل المسؤولية على المستثمر، وصحي جدًا أن تُلقى الكرة من ملعب إلى آخر، لكن يبقى الذكاء في تقليل الفجوات بين الحكومة والمستثمر ما أمكن، وجمع النقاط بتقليل التحديات وإزالة الهواجس، ووضع هذه النقاط في أحرفها المناسبة.