مفتاح التنمية في فلسفة "3820 الاستراتيجي الصيني"

 

تشو شيوان **

 

في عام 1992، شارك الرئيس الصيني شي جين بينغ- الذي كان يشغل حينذاك أمين لجنة الحزب بمدينة فوتشو- في تصميم مشروع "3820 الاستراتيجي" الذي يمثل رؤية استراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لفوتشو لمدة 20 عامًا، وشمِل هذا المشروع تخطيطات خاصة بالبناء الحضري وحماية البيئة والثقافة والتربية والتعليم، وتم تطبيق "الفكرة التنموية القائمة على اعتبار الشعب محورًا" طوال المشروع.

وعلى مدى أكثر من 30 عامًا، تتمسك مدينة فوتشو بوضع الشعب فوق كل شيء، وتعمل على العودة بالفوائد على الشعب لزيادة شعوره بالسعادة والأمن، ونجد أنَّ هذا المفهوم أو المشروع، هو فلسفة خاصة للرئيس الصيني يعتمد عليها في إدارة الصين وهو نهجه في التعامل مع الكثير من القضايا المحلية وحتى الخارجية، ومن الضروري أن يفهم العالم هذا المشروع باعتباره مدخلًا لفلسفة الرئيس الصيني في الإدارة والحكم.

بالعودة للبدايات، فإنَّ مشروع "3820 الاستراتيجي" بدأ من مشكلة التلوث التي تأثر منه العديد من السكان؛ ففي أوائل التسعينيات من القرن الماضي كانت مياه الأنهار الداخلية في مدينة فوتشو تعاني من التلوث الناجم عن مياه الصرف الصحي الصناعي والمنزلي، وفي اجتماع حول أعمال حماية البيئة لمدينة فوتشو، أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى ضرورة تعزيز التنمية المنسقة بين الاقتصاد والبيئة، قائلًا مقولة مهمة "إنّ كل المنافع الاقتصادية المؤقتة على حساب البيئة ربحٌ لا يستحق الخسارة"، وهذه الفلسفة أجدها مُهمة في عملية التوازن البيئي والاقتصادي، وفعلًا الخسائر كبيرة إذا ما أهملنا الجوانب البيئية، ولهذا وضع حياة الشعب أولًا جعل الرئيس الصيني يحرص على بناء أنظمة تساعد في المحافظة على البيئة والحياة الإيكولوجية في الصين، وهذا ما أستمر لاحقًا ووجدناه حاضرًا في الكثير من المناسبات والقرارات.

 

لقد انطلقت أعمال فوتشو الشاقة لدفع التنمية الخضراء من مشروع 3820 الاستراتيجي، بحيث تمت معالجة وتحسين مائة وسبعة أنهار داخلية في فوتشو بشكل متتالٍ. وفي الوقت الراهن، تتمتع المدينة بأكثر من ألف وخمسمائة حديقة، ويتجاوز معدل التخضير بها 43 في المائة، وهذا يبرهن أن الفلسفة وحدها لا تكفي، بل يجب تعزيز وتدعيم الفلسفة بعمل يطبق على أرض الواقع وهذا ما كان في فوتشو وتجربتها البيئية.

ورد في مقدمة مشروع 3820 الاستراتيجي جملة يقولها الرئيس شي "إذا أرادت منطقة الازدهار، فلا بُد لصانع قرارها وشعبها من التحلي بالطموحات دون تردد" وهذه أيضًا فلسفة مهمة تدفع للتقدم والازدهار، خصوصًا وأننا في زمن الابتكارات والطموحات الكبيرة. ويمكنني القول إن الصين في هذا الجانب، حققت قفزات مهمة خلال السنوات الماضية، وبات طموح الصين المشروع في التنمية نموذجًا عالميًا عالي الطموح ومثالًا يحتذى به شرقًا وغربًا، وأجد أن فلسفة الإدارة للرئيس شي، قد عززت قدرة الشعب على الطموح وبناء المستقبل بناء على هذا الطموح وقد نجح الرئيس شي في نقل فلسفته للشعب وانعكس ذلك في حياتهم وأعمالهم وأفكارهم.

جلب مشروع 3820 الاستراتيجي- الذي يعد الشعب محورًا له- فوائد حقيقية على شعب فوتشو، والحقائق والشواهد كثيرة؛ فيمكننا أن نحس بحيوية المدينة وسعادة الشعب بمجرد المشي في شوارع فوتشو، ويمكننا الربط بين هذه التجربة وبين تجارب كثيرة عالمية فما حققه مشروع 3820 يمكن اعتباره نموذجًا استراتيجيًا سيجلب للعالم الاستقرار والسعادة والتنمية، فأن تضع فلسفة محورها الشعب وتطبق هذه الفلسفة لتحسين حياتهم وأعمالهم ومستقبلهم، أجدُهُ من أفضل التجارب والعالم بأمس الحاجة لنموذج فلسفي قابل للتطبيق والتجربة خير برهان.

أردتُ في هذا الطرح تسليط الضوء على جزيئية مهمة في مسيرة الرئيس شي، والتي تعرفنا وتطلعنا على فلسفته الفكرية والعملية والإدارية؛ فمنذ اليوم الأول للرئيس شي وهو يولي اهتمامًا بالغًا بالشعب، والأمر يتعدى حدود الصين، فحتى إطلاقه لمبادرة "الحزام والطريق" ومبادرة "الأمن العالمي" ومبادرة "المصير المشترك للبشرية"، جميعها نابعة من فلسفة محورها: الإنسان وتحسين حياته، وهذه فلسفة أصيلة في فكر الرئيس الصيني تجاه شعبه وتجاه العالم.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية