حمد الحضرمي
بِرُ الوالدين هو الإحسان إليهما والتعطف عليهما والرفق بهما والرعاية لأحوالهما وعدم الإساءة إليهما، وإكرام صديقهما من بعدهما، ومن أراد أن تشرق حياته بالصلاح والنجاح، فعليه ببر والديه والإحسان إليهما بشتى السبل، فالله سبحانه وتعالى قرن عبادته بالإحسان إلى الوالدين، قال تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا" (الإسراء: 23) وجعل حقوقهما من أعظم الحقوق بعد حقه سبحانه وحق رسوله الكريم، وربط شكرهما بشكره قال تعالى: "أن أشكر لي ولوالديك إلىّ المصير" (لقمان: 14) وجعل الله كل هذه الأعمال سببًا في رضاه، وشرطًا من شروط التوفيق والفلاح في الدنيا والفوز بالجنة ونعيمها في الآخرة. وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام.
وفي المقابل يشكل عقوق الوالدين وقطع الرحم أساس البلاء ورأس كل شر، فالعاق محروم من البركة والتوفيق في الدنيا، ولا ينظر الله إليه يوم القيامة، والجنة عليه حرام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كل الذنوب تؤخر إلى ما شاء الله إلى يوم القيامة، إلا عقوق الوالدين فإنه يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات " كما أن الرحمة لا تنزل على قوم بينهم قاطع رحم. وللأسف الشديد فإن أغلب العائلات والأسر في المجتمعات العربية والإسلامية أصبحت تعاني من ظاهرة عقوف الوالدين، ولهذه الظاهرة خطورة بالغة على المجتمعات والأفراد، وما من مجتمع تفشى فيه العقوق إلا وأصابه الفرقة والضعف والهوان، وانعدمت بين أفراده الرحمة، لأن الأشخاص العاقين لوالديهم أكثر عقوقًا لمجتمعهم ووطنهم. وللعقوق شؤم وأخطار لأنه من أكبر الكبائر، والعاق لوالديه لا يدخل الجنة، ولا ينظر الله إليه، ولا يقبل منه فرض ولا نفل، ولا ينفع معه عمل، وهو ملعون من الله، محروم من بركة الرزق والتوفيق في الحياة.
وحق الآباء والأمهات على الأبناء لا يستطيع الإنسان أن يحصيه أو يقدره، ومن أرضاهما فقد أرضى الله تعالى، ومن أسخطهما فقد أسخطه الله، ومن برهما وأحسن إليهما فقد شكر ربه، ومن أساء إليهما فقد كفر بنعمته، والوالدين هما الباب الموصل إلى الجنة فمن بر بهما دخل الجنة، ومن عقهما منع من دخول الجنة. وقد خص رب العزة حالة كبر سن الوالدين، لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى البِرِ لتغير الحال عليهما بالضعف والكبِرِ، وهنا يحتاجان الوالدين إلى التلطف معهما بقول لين لطيف كريم، ونفس طيبة، وتقدير واحترام ووفاء يفوق حجم التضحيات والعطاء الذي قدماه الوالدين للأبناء في صغرهم. ومن برهما الترحم عليهما والدعاء لهما، وأن ترحمهما كما رحماك، وترفق بهما كما رفقا بك وأنت صغير. فبر الوالدين من أفضل العبادات وأجل الطاعات، ويفرج الكروب والهموم، ومن بر آباءه بره أبناؤه والجزاء من جنس العمل.
ونصيحتي إلى الآباء والأمهات أن لا تدْعُوا على أولادكم عند حدوث أي خطأ منهم أو تقصير أو إهمال أو عقوق، وإنما أدعو لهم بالصلاح والهداية والتوفيق والنجاح، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم " ومن المحزن والمؤلم بأن بعض الآباء والأمهات لا يسيطرون على غضبهم فيكون الدعاء على الأبناء قاسي، بأدعية تقشعر منها الأبدان كقول: روح الله يأخذك، وروح الله لا ردك، وروح في ستين داهية، والله لا يوفقك دنيا وآخرة.
يا أيها الأبناء والأمهات أنتم من ربيتم أبناءكم وبناتكم وتعلمون أخلاقهم وسلوكياتهم، وعند حدوث أي خطأ منهم في حق من حقوقكم واعتبرتموه عقوقاً، فلا تستعجلوا وسيطروا على غضبكم، ولا تدعوا على أولادكم ظلمًا أو انتقامًا أو لنصرة أحد تظلم لكم، فربما بسبب دعائكم على أولادكم يصيبهم سوء أو مكروه أو ربما يرجعون إليكم أمواتاً، فتكونوا على ما فعلتم نادمين طوال حياتكم.
اللهم أطل في أعمار آبائنا وأمهاتنا الأحياء منهم، وارزقهم الصحة والعافية، وأسعد قلوبهم وفرج عنهم كل هم وغم، واغفر وارحم الأموات منهم، وأجزهم عن الإحسان إحسانًا، وعن الإساءة عفوًا وغفرانًا، وادخلهم في جنات النعيم مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.
** محامٍ ومستشار قانوني