"فيتو" أمريكي.. و"ندب" عربي

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

وأنا أكتب هذا المقال، لا أعرف كم سيزيد عدد الشهداء والجرحى واليتامى والثكالى في غزة، ولا أعلم كم قذيفة ستسقط على رؤوس الأبرياء؟! ولا أتكهن بحجم المأساة التي ستحل خلال هذه الدقائق التي أنتهي فيها من كتابة المقال.

الشيء الوحيد الذي أكاد أجزم بمعرفته هو أن الإجرام الإسرائيلي لن يتوقف، وأن المذابح لن تنتهي، وأن العرب لن يتحركوا من مكانهم، وأن الولايات المتحدة ستُمارس لعبة الكذب والتماهي التام مع الصهاينة، وأن هذا العالم المنافق لن يتوقف عن مساواة الضحية بالقاتل، وأن الأمم المتحدة ما هي إلا ألعوبة صنعتها الدول المنتصرة لكي "تشرعن"، و"تقنن" جرائمها، وانتهاكاتها، وممارساتها، واتخاذها أداة لتمرير قراراتها على كل دولة "مارقة" عن فلكها.

لقد كان "الفيتو" الأمريكي للقرار الداعي لوقف الحرب في غزة، صفعة في وجه العالم، وصفعة قوية على الخد العربي الذي اعتاد الصفع، وآثر الصمت، حتى تحولت فلسطين إلى عبء على الحكومات العربية، وتحالف بعضهم مع الكيان الصهيوني من أجل أجندات ضيقة، وحسابات واهمة، ومبررات واهية من مثل: (القضاء على جماعة الأخوان المسلمين، أو الخشية من إيران، وأحياناً من أجل الحصول على حفنة من الدولارات..)، حتى باتت القضية الفلسطينية مجرد "بند ثابت" على طاولات الجامعة العربية، يكتفون فيها بالشجب والندب، وهم في الواقع يمدون أيديهم من تحت الطاولة لمصافحة إسرائيل، ولذلك لم يعد هذا الكيان يخشى أحدا، ولا يعير التفاتا إلى صوت عربي، مهما علا، واستعلا، ولهذا يمارس الجيش الإسرائيلي كل همجيته، ووحشيته في فلسطين، دون أن يرف له جفن، أو يلقي بالا لتصريح عربي هنا، وهناك.

وما مشهد فيديو الفلسطينيين وهم عُراة، ومقيدين في غزة، إلّا نوع من الإذلال النفسي والجسدي للعرب جميعًا؛ بل للمسلمين بشكل عام، وهو رسالة واضحة لمدى التحقير الإسرائيلي للحكومات والشعوب العربية، وتحدٍ لكل عرف أخلاقي، أو معيار إنساني، وما الفيتو الأمريكي في وجه قرار وقف الحرب في غزة، إلّا رسالة أمريكية مُخزية واضحة إلى العرب تُبيِّن مدى استخفافهم بهم، ورغم ذلك تتمسك الحكومات العربية بأذيال الثوب الأمريكي، ويتسولون منهم السلام، ويطلبون ودهم بشكل مذل، وضعف مُهين.

لا أعلم لماذا يعتقد العرب أنَّ الولايات المتحدة هي حليفهم الكبير، والذي لا يمكنهم التغلب عليه، أو التحرر من عبوديته؟ رغم أنها السبب الرئيسي لكل مصائبهم، بالتواطؤ مع بريطانيا، ولا أكاد أذكر قرارًا يُدين "إسرائيل" في كل تاريخ الأمم المتحدة، لم ترفع الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" في وجهه، لذلك فإسرائيل تعربد، مزهوة بقوتها الوهمية، وتتشدق بأكاذيب لا يصدقها حتى هي، ولكن الصمت العربي أغراها، وأغرى أمها وربيبتها أمريكا بالتمادي في غيها، ولذلك لم ولن تحل القضية الفلسطينية أبدا، ما دام الراعي لمفاوضاتها متحيز إلى طرف، وينظر للطرف الآخر باستخفاف، وسيكون الموقف الإسرائيلي أكثر تعنتا الآن، وهو يملك ذريعة أخرى لخداع العالم، والكذب عليه.

لقد كانت مواقف بعض الدول غير العربية أكثر صرامة وحزمًا وتقدمًا من الموقف العربي؛ سواءً تلك الدول التي سحبت سفراءها، أو تلك التي صرحت بكل قوة ووضوح بإدانة الوحشية الإسرائيلية، بينما اكتفت الدول العربية باستجداء إسرائيل لفتح ممر لإدخال المساعدات، أو نقل الجرحى، واكتفوا بالفرجة على إخوانهم يذبحون من الوريد إلى الوريد أمامهم كل يوم في فلسطين، واكتفوا بالدعوات الخجولة لوقف المجازر، والخطب الرنانة التي لا تقدم ولا تؤخر، دون أن يحرك عربي ساكنًا، ودون أن تتوحد القوة العربية لتقول للإجرام الإسرائيلي: "كفى".