"الشوك والقرنفل"

 

الطليعة الشحرية

رواية "الشوك والقرنفل" كُتبت تحت أقبية السجون الإسرائيلية؛ حيث قضى 23 عامًا في سجون الاحتلال حتى تم الإفراج عنه عام 2011، من ضمن 1200 أسير فلسطيني محرّر مقابل الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، الروائي يحيى السنوار "أبو إبراهيم"، إنه الرجل نفسه الذي يقود المقاومة الفلسطينية الآن في أخطر مواجهة عسكرية غير متماثلة مع إسرائيل، ويجري بندية وكفاءة صفقات تبادل للأسرى والرهائن.

بالرغم من محاولات جيش الاحتلال تشويه صورة الرجل، إلّا أن رواية «الشوك والقرنفل»- شوك الاحتلال وقرنفل المقاومة- تنقلنا إلى جانب آخر لا يعرفه الكثيرون عنه. الرواية أشبه بسيرة ذاتية تحكي قصة طفل هاجر من الفلوجة في نكبة 1948 وعاد قائدًا لحركة المقاومة الفلسطينية «حماس»، دخل إلى سجون الاحتلال وخرج منها كشبحٍ يؤرق جيش الطغاة المحتلين.

المقدمة

مشهدٌ بسيط لواقع كل المخيمات؛ القلق التوتر الخوف مشاعر تختلط وتتمازج مع الواقع المعاش كالمشي بين حقول ألغام لا تعرف مصدرها صديق مستمر أم عدو ظاهر أم جاسوس متخفٍ؟ تفاصيل اللجوء التي تدفع بالإنسانية الى حافة الانهيار والجنون. إنها مشاهد بوصف تفصيلي عاشها الكاتب والشعب الفلسطيني ألف مرة معاناة قد تدفع بصاحبها إلى حدود التطرف.

كتب في مقدمة روايته "هذه ليست قصتي الشخصية، وليست قصة شخص بعينه، رغم أنّ كل أحداثها حقيقية"، وأصدق التطرف في العشق قوله "هل يجوز لمثلنا ونحن نعيش هذه الحياة ونرى ما نرى أن نحب ونعشق يا أحمد؟ حينها قررت أن أنهي قصة غرامي- إذا جاز لنا أن نسميها قصة غرام- إنّ قصتنا قصة فلسطينية مريرة لا مكان فيها لأكثر من حب واحد.. وعشق واحد".

ألم يحن الوقت لجميع مُدعي محبة فلسطين أن ينحازوا للتطرف في عشقها بدلًا من إقامة المؤتمرات والشجب والندب؟

أشياء لا تشترى..

ينتهي الفصل الأول بمشهد "خمسة عشر رجلا أوقفوا الى جوار حائط وأصدر ضابط الاحتلال أوامره إلى جنوده لقتلهم فيما ينظر الآخرون لهم وقد قُيدت أيديهم خف ظهورهم وعصبت أعينهم وحملوا في حافلات إلى الحدود المصرية، وقد أمرهم الجنود الذين رافقوهم بعبور الحدود إلى مصر وأن من لا يتقدم أو يلتفت سيتم إطلاق النار عليه حتى الموت". كان هذا المشهد في يونيو 1967 وعُمر السنوار يومها خمسة أعوام، والده كان ضمن المقاومة الشعبية وعمه جنديا في جيش تحرير فلسطين. استشهد أحدهما ولم يعد ثانيهما وتربى الطفل بلا أب وبلا عم. رعاه جده الذي طرد في العام 1948 من أرضه ليقضي العمر لاجئًا.

مجازر الإبادة والتهجير المتكررة والمستمرة الى يومنا هذا منذ 1948 تخلق طفلًا لن يصالح يوقد حروبًا شاملة من مسافة صفر يسترجع الحق المغتصب ويحطم هشاشة المستحيل.

عرب ويهود..

تصحو ذاكرة المنفى وتنعش المخيلات الخصبة التعود على الفقر والجوع وإعانات وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين ومنع التجول وملاحقة المقاومين الفلسطينيين واعتقالهم أو قتلهم انعكس كل ذلك على ألعاب الأطفال بدلا من لعبة شرطة وحرامية، لعبة عرب ويهود وقاعدتها ثابتة العرب ينتصرون. والقاعدة ثابتة في العقل الجمعي والوجداني العربي والإسلامي للشعوب بخلاف أصالتها وثابتها لدى الأنظمة العربية الوظيفية التي تسعى جاهده عبر أبواقها الى تقزيم وتقليم أظافر المقاومة والصمود الفلسطيني بوجه كيان الاحتلال.

ذاكرة أطفال المنفى..

أثخنت المآسي ذاكرة الأطفال الفلسطينيين المولودين في المنفى بعد النكبة، وبالتحديد جيل الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، لم تكن حرب يونيو 1967 الحدث المأساوي الوحيد الذي عاشه هذا الجيل. فقد عاش أيضا مأساة الحرب بين الثورة الفلسطينية والنظام الأردني في أيلول الأسود والعام الذي تلاه وأسفر عن مذبحة الفلسطينيين وخروج ثورتهم من الأردن، وعاشوا أيضا، الصدامات العنيفة بين فدائيين غزة والجيش الإسرائيلي المحتل.

وفي بداية سبعينيات القرن العشرين قام آريل شارون بتأسيس "الوحدة 101" التي اشتهرت بلبس القبعات الحمراء وعرفت شعبياً باسم (الطواقي الحُمر) والتي اعتبرت وحدة خاصة دربت تدريبات خاصة جدا، هذه الوحدة كانت تقتحم الأزقة داخل المخيمات وفي البساتين وتطلق النار على كل من يتحرك للاشتباه فيه، وتهاجم الناس وتضرب وتعتدي وتفتك دون أي ضوابط أو قوانين وقد كان لها دور بارز في محاربة المقاومة وتصفية الكثير من قياداتها وعناصرها " وحدث مرة أن لاحقت هذه الوحدة فدائيا اختفى، فعاقبت أهل المخيم عقابا جماعيًا وحددت موقع البيت الذي لجأ إليه، وحين نادت عليه ولم يستسلم هدمت البيت على رأسه فقتلته وثلاثة من رفاقه الذين كانوا يختبئون في ملجأ فيه.

قام شارون في هذه الفترة بتدمير أعداد كبيرة من بيوت المخيمات في غزة لشق طرق عريضة تجعل حركة اختفاء الفدائيين صعبة ومهمة إلقاء القبض عليهم سهلة.

الشوك والقرنفل

عرجت الرواية بفصولها الثلاثين على مخزون ضخم من الذواكر المؤلمة في تاريخ الحرب والمنفى واللجوء والمقاومة والحب والقتل والإبادة والخذلان والإذلال والغدر والخيانة والسجون والأسرى، هي نكبة في قلب نكبة، بل هي سادية العالم المتوحش برتوش الحرية والإنسانية المقزز. وليس غريبًا ما يرويه السنور عن تجربة السجن بقولة "وهكذا بدأ السجن يتحول إلى مدرسة متقدمة يعلم فيها المتعلم غيره، ويتدرب فيها عديمو الخبرة على المناظرة والتفكير السياسي، وبدأ يتبلور فكر سياسي وأيديولوجي واضح للمعتقلين حسب انتماءاتهم السياسية حيث كانت قد برزت ثلاث تجمعات واضحة تجمع قوات التحرير الشعبية بميولها اللينينية، تجمع فتح بطرحه الوطني المجرد، وتجمع الجبهة الشعبية بطرحه الماركسي اليساري".

وحقيقة الأمر أن الشعوب العربية هي التي سُجنت طواعية في عالم الانفتاح الشاسع فوضوي استهلاكي ليبرالي رعوي ذا طابع منفعي وانطلت الخديعة الكبرى أسطورة جيشٌ لا يقهر.

وقد صدق أمل دنقل وكذب العرب الوظيفيون في قصيدته "لا تصالح":

لا تصالحْ!

ولو منحوك الذهب

أترى حين أفقأ عينيك

ثم أثبت جوهرتين مكانهما..

هل ترى..؟

هي أشياء لا تشترى.