ناصر بن سلطان العموري
مُخطئ من يظن أنَّ عُمان تفتقر للمقومات السياحية؛ فهناك المقومات الجغرافية والمناخية والتاريخية والثقافية، والسهول والكثبان والسواحل والجبال والبحار والأديان والرمال الذهبية، وكلها مكونات متنوعة قلّما تتوافر مُجتمعةً في بلد آخر.
وصدق القول بأنَّ السياحة تُثري، وأثبت السائح العُماني خلال إجازة العيد الوطني الماضية أنه الرقم الصعب وعلى مستوى الرهان؛ بل ويتفوق على السائح الأجنبي رقمًا وعددًا عند ارتياده وبكثافة للمرافق والأماكن السياحية المختلفة التي تزخر بها السلطنة، شريطة أن يجد الخدمات متوافرة ونظيفة، والفعاليات المصاحبة قائمة، تُحيي المكان وتضفي عليه البهجة.
وليس أدل على ذلك من تلك المقاطع التي انتشرت للازدحام الحاصل؛ سواء على الطرق الرئيسية أو الطرق الداخلية في المحافظات، وأوضحت اكتظاظ المرافق السياحية بأعداد هائلة من العائلات العُمانية؛ بل وحتى المقيمين من الجاليات الأخرى، الذين استغلوا الإجازة هذه المرة داخل الديار، وقضوا أوقاتًا رائعة بين تاريخ عُمان ووديانها وشواطئها ورمالها الخلابة.
ولك أن تتخيل أن متحف عُمان عبر الزمان استقطب خلال إجازة العيد الوطني أكثر 24 ألف زائر وهو عدد قياسي لدرجة أن التذاكر المخصصة للدخول قد نفدت بالكامل، والعديد من الزوار دخل دون تذكرة، ولأول مرة يصل زوار المتحف لهذا العدد. والحال نفسه ينطبق على مدينة نزوى الجميلة بمقوماتها السياحية التي استقطبت أفواجًا كبيرة من السياح، أضف الى ذلك الأماكن السياحية الأخرى من قلاع وجبال وشواطئ ورمال وغيرها من مرافق سياحية متنوعة في محافظات السلطنة المختلفة.
الملاحظ للعيان تنوع ارتياد السائح المحلي لمختلف المزارات والمناطق السياحية في محافظات السلطنة، وإن كانت هناك زيادة ملحوظة لبعض المحافظات عن غيرها بحكم تنوع مقوماتها السياحية. ومن هنا ما ينبغي الالتفات لها ووضعها تحت مجهر وزارة التراث والسياحة المُشرفة على تطوير القطاع السياحي، والجهات ذات العلاقة ليكون الاهتمام والتركيز على السائح المحلي أكثر عن ذي قبل، وتأهيل وتطوير ودعم المشاريع السياحية منها لتتواكب مع العدد الكبير من المرتادين للسياحة الداخلية.
ولإنجاح السياحة الداخلية لا يستدعي الأمر توفير خدمات خمس نجوم وبأغلى الأسعار؛ بل يقتصر على تقديم خدمات ذات جودة وبسعر معقول تناسب جميع فئات المجتمع كما يجب زيادة وعي المستهلك في المحافظة على المكان الذي يرتاده من خلال تكثيف التوعية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتوجيه نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي للتطرق لنفس الموضوع من باب شعار "اترك المكان أفضل مما كان".
لا يكفي أن نتغنى بالأرقام الهائلة للسياحة الداخلية دون توفير خدمات سياحية يحتاجها السائح والتي تعينهم على قضاء وقت ممتع مع ذويهم كما أن توفير المسار والدرب الأمن من أهم الأسباب على نجاح ذلك ورأينا كيف كانت الشاحنات والمعدات الثقيلة تزاحم قائدي المركبات في الطرقات وكان الأولى اقتصار سيرها على أوقات معينة وتجنب أوقات الازدحام لا سيما أيام الإجازات.
يجب على الجهات المختصة بالشأن السياحي رفع شعار "سياحة الدار أحسن اختيار" من خلال تسهيل إجراءات التراخيص السياحية والبعد عن التعقيد وتوفير الدعم اللازم في وقت قياسي وتسخير المقومات المساعدة لإنجاح أي مشروع سياحي خصوصًا إن كان المالك من الشباب العُماني الطموح المعتمد على نفسه.
الجميل في الأمر، الخطوة التي اتخذتها وزارة التراث والسياحة في اختيار عدة شركات أهلية تديرها عقول عُمانية مبدعة لتشغيل وترويج عدد من القلاع والحصون في السلطنة من خلال عمل الفعاليات الترفيهية للزوار، ورأينا ذلك يتجلى في الفعاليات التي أقامتها إحدى الشركات في حصن بيت الرديدة الأثري ببركة الموز؛ ومنها معرض الأسلحة التاريخية وإقامة سباق للجري الجبلي بمشاركة من 62 دولة والحال نفسه ينطبق على قلعة بهلاء التاريخية، وما قامت به إحدى الشركات الأهلية من خلال فعاليات مصاحبة لإجازة العيد الوطني تنوعت فيها المناشط الترفيهية، ومن الضروري أن يتم متابعة عمل أداء هذه الشركات والوقوف معها كونها شركات محلية وتقييم خط سيرها بعد مدة زمنية لضمان جودة الأعمال المنفذة.
بقي أن نعرف أنَّ من أهم أسباب تقدم جمهورية الصين الشعبية القوة التجارية العظمي والمصدرة لأغلب منتجات العالم كان أساس نجاحها منذ البداية دعمها اللامحدود للمشاريع الصغيرة والمتوسطة وعدم تقيدها بقرارات وإجراءات تحد من تقدمها وتطورها... بعد كل هذا رأينا الصين كيف أصبحت فهل من متعظ يا أولي الألباب.