ناصر بن سلطان العموري
بدأ العام الدراسي وبدأ معه النشاط الطلابي؛ سواءً لطلبة المدارس أو الجامعات والكليات، وكما يعلم الجميع أن مساحة السلطنة مترامية الأطراف تتوزع فيها الكليات والجامعات في جميع المحافظات من الشمال إلى الجنوب، باختلاف المسميات والتخصصات، وما دعاني لكتابة هذا المقال هو الحالة المادية للطلاب المقبولين في البعثات الداخلية بعيدًا عن مناطق سكناهم؛ إذ إنهم ليسوا سواءً من ناحية القدرة المالية على تحمل تكاليف إضافية من مأكل ومشرب ومسكن ومصروف شخصي، وهو ما يمثل عبئًا إضافيًا على ذويهم.
الكثير من الأسر باتت تُعاني من تكاليف سكن الطلاب ونقلهم ومصاريفهم، فهناك طلاب من أبناء الضمان الاجتماعي والمتقاعدين وذوي الدخل المحدود، أسرهم غير قادرة على توفير نفقات رسوم سكنهم وتنقلهم، والبعض ربما يجد صعوبة في توفير التغذية، حتى لاحتياجات المنزل، فما بالك بنفقات تغذية أحد أبنائه وهو بعيدًا عنه؟!
الأمثلة على ذلك كثيرة والشواهد عديدة؛ فمنهم من ابتُعث أحد أبنائه لمحافظة ظفار، والآخر ابتُعثت ابنته لمحافظة الظاهرة، وثالث من سكان صلالة ابتُعث ولده لمحافظة الشرقية؛ المقتدر وميسور الحال يوازن نفقاته ويمكن أن يتدبر الأمر على مضض، فما بالكم بالفئات الأخرى المعوزة والمحتاجة، فمن أين لهم المال لتوفير نفقات لأبنائهم الدارسين؟!
والخوف كل الخوف أن تضطر الظروف الصعبة التي تمر بها بعض فئات المجتمع، أبناءَهم لترك مقاعدهم الدراسية في مؤسسات التعليم العالي، تلكم المقاعد التي تعبوا وكافحوا من أجلها، ولكن ما باليد حيلة، فماذا عساها أن تعمل تلك المرأة التي تستلم راتب ضمان اجتماعي بالكاد يُغطّي مصاريفها الحياتية في مواجهة النفقات المصاحبة لدراسة ابنتها البعيدة عن ناظريها، أو كيف سوف يغطي ذلك المتقاعد مصاريف ابنه الدراسية في إحدى الجامعات بمحافظة بعيدة عن منزله وراتبه لا حول له ولا قوة، فقد تراجع داخله لأكثر من النصف بعد التقاعد، ولديه من الالتزامات ما يُثقل كاهله. وماذا عن المُسرَّح من العمل- وما أكثرهم- والذي لم يعد يملك من راتبه شيئًا، فماذا تراه سيعمل في مواجهة تكاليف النقل والسكن لأحد أبنائه؟ وذاك الموظف المسكين الذي تأخرت ترقيته لأكثر من عشر سنوات وهو ينتظرها على أحر من الجمر، وارتفعت عليه نسبة الاستقطاعات؛ مما ولّد الضغط على راتبه، فكيف له أن يتحمل نفقات إضافية متمثلة في توفير المصاريف المترتبة على السكن والتغذية لأبنائه المقبولين للدراسة الجامعية في محافظات بعيدة والراتب محدد سلفًا ومقسّم حتى قبل أن يستلمه؟
لا أعلم حقيقية هنا المعيار المستند عليه في إعطاء المعونة الطلابية بين طالب وآخر، فنجد مثلًا فيما يتعلق بجامعة السلطان قابوس أن طلاب ولاية العامرات وهي من ولايات محافظة مسقط لا يحق لهم المعونة الطلابية، على الرغم من أن المسافة بين الولاية والجامعة تتخطى الخمسين كيلومترًا، وذلك بحجة أنها تتبع لنفس محافظة الجامعة! في المقابل نجد أن طلاب ولاية بدبد يستلمون المعونة الطلابية على الرغم أنها تبعد عن الجامعة قرابة عشرين كيلومترًا، وتزيد بقليل بحجة أنهم من محافظة أخرى؟!
أين العدالة هنا؟ المنطق يقول إن المتكلِّف أكثر هو من يستلم أكثر، في المقابل تجد المعادلة تختلف في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية والتي لها فروع في المحافظات؛ فالكل يستلم المعونة الطلابية حتى وإن كان من نفس المحافظة الواقعة بها الجامعة، لكن البعض يتسلم أكثر من زميله بحجة أن مقر سكنه قريب من الجامعة، وهذا هو المنطق الذي من المفترض الاستناد عليه في جامعة السلطان قابوس.
ومن هنا أعتقد أن الأمر بحاجة لإعادة نظر ومراجعة من قبل جهات الاختصاص واستحداث لائحة موحدة ومنظمة لقطاع المعونات الطلابية تُطبَّق على جميع مؤسسات التعليم العالي، بدلًا من أن تعمل كل جامعة بنظامها الخاص، وعسى أن نرى تحركًا من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار وجامعة السلطان قابوس من أجل صرف معونات طلابية تخفف عن ذوي الطالب المعاناة، وتحمُّل تكاليف إضافية، ومساواة هؤلاء بمن تُصرف لهم إعانات في كليات أخرى.
إنَّ التزامات الحياة أصبحت صعبة للغاية، والأسعار في ارتفاع مستمر؛ بل حتى التحكم فيها ومراقبتها من جانب الجهات ذات العلاقة أصبح شبه مستحيل؛ نظرًا لما يشهده العالم من متغيرات مُتسارعة، لذا نرجو بشدة النظر في أحوال أبنائنا الطلاب، رأفة بهم وبحال أسرهم الذين يكابدون مُرَّ الحياة وقسوتها.