التربية والتعليم والعنف المدرسي

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

مقاطع فيديو تم تداولها في بداية العام الدراسي، شجار عنيف بين طلبة، شجار يصل إلى حد العنف المفرط، وفي المقاطع "جمهور" من الطلبة يتفرجون ويشجعون على الاعتداء، والضرب، ويحمّسون زملاءهم على القتال، ولا أتحدث هنا إنْ كانت هذه المقاطع جديدة أو قديمة، ولكن أتحدث عن "العدائية" التي وصلت إلى مدارسنا، وأولئك الطلبة الذين يتجرأون على ضرب زميل لهم بذلك الحقد، لأنه أضعف أو أصغر منهم، في ما يُسمى بظاهرة "التنمّر" في المدارس.

أستشعر عواطف الأب أو الأم لولدهما الذي يتلقى الضرب واللكم والسباب، على مرأى من الطلاب الآخرين، وأشعر بنوبة الغضب والألم التي تعتري الوالدين وهما يشاهدان ولدهما الذي ذهب ليتلقى العلم في المدرسة، فإذا هو يتلقى الإهانات، ويرونه وهو يتصبب دماً، دون أي رادع أخلاقي من "الجمهور" المتفرج، والمُشجِّع للعنف، ودون رقيب في مدرسةٍ يُفترض أنها القلب الحاضن للأبناء، والمؤتمنة عليهم، وفي المُقابل لا أدري شعور بعض الآباء وهم يرون أبناءهم بتلك الشراسة، وتلك الروح العدائية التي يظهرونها خارج المنزل.

إن ظاهرة العنف في المدارس ما كانت لتكون لولا أمرين: بيئة حاضنة له وهي الأسرة أو المجتمع، وبيئة مُتساهلة معه إلى حد كبير وهي المدرسة، والمدرسة هنا ليست لذاتها، ولكن أعني بها وزارة التربية والتعليم وإجراءتها العقابية غير الرادعة، وقوانينها التي لا تتخذ ما يكفي من خطوات لإيقاف هذا التدهور الأخلاقي الذي ينعكس على المجتمع برمته، ويؤجج نار الكراهية والعنف والتطاول على الآخرين، والتعدي دون أي رادع حقيقي تجاه ظاهرة "التنمر" والعنف المدرسي؛ فالمعلم غير قادر على ضبط الطلبة، وغير قادر على اتخاذ الإجراءات المناسبة تجاه المتطاولين منهم والتي قد تطاله هو شخصيًا.

أعتقدُ أنه حان الوقت لإعادة النظر في منع الضرب في المدارس دون إفراط، والذي قد يكون حلًا أحيانًا لبعض الظواهر السلبية المُنتشرة في أروقة العلم، رغم أنَّ التربويين يرون غير ذلك، ولكن أعتقد أنَّ الضرب بغرض التأديب، وتحت ضوابط مُعينة، وبإشراف الإدارة المدرسية قد يكون حلًا في ظل هذه الهجمة الشرسة من بعض الطلبة غير الملتزمين، والذين لا يردعهم رادع، ولا يحدهم عقاب تأديبي نفسي، لأنَّ ما يرتكبه بعض هؤلاء الطلبة تجاه زملائهم وتجاه مدرسيهم من ألفاظ خادشة، وشتائم، وتعدٍ جسدي، يحتاج إلى علاج تقوم به "العصا" كأداة تأديبية تقليدية، إلى جانب التقويم النفسي، والعلاج التربوي الحديث.

إن ما رأيناه من مقاطع مرئية للعنف المدرسي، ما هو إلا نزر قليل من مشاهد أكثر عنفًا، وأكثر درامية، تكاد تكون ظاهرة يومية ومتكررة في المدارس الحكومية خاصة، وما لم نشاهده قد يكون أعظم ممّا لم نشاهده، ولا أعتقد أنَّ وزارة التربية والتعليم تُنكر الظواهر السلبية الخطيرة التي تحدث في المدارس؛ سواء مدارس الذكور أو الإناث، من انتشار للمواد الممنوعة قانونًا، وانتهاكات سلوكية خطيرة، تحتاج إلى علاج ناجع من قبل الوزارة، وضرب بيدٍ من حديد، قبل أن تتحول المدارس إلى بؤرة تخرج منها السلوكيات غير الحميدة، لتنتشر في المجتمع، فكما تعلمنا في المدارس، أن التربية تأتي أولًا ثم التربية ثم التربية، ومن بعدها يأتي التعليم، وكما يقال: "العصا لمن عصى".