ناجي بن جمعة البلوشي
بعد أن أصبح مقتل قائد مجموعة فاجنر الروسية حديث وسائل الإعلام العالمية، فإنَّ تحليل الوصول إلى من تسبب في قتله، يكاد يكون من أدق المهام الصعبة التي سيقوم بها المختصون في هذا الشأن من الجهات المعنية في روسيا، لكننا هنا نشارك بأفكارنا التحليلات التي يراد منها على أقل تقدير التصديق بالعقل الواعي والخروج من عالم الافتراضيات وتبادل التهم.
قُتِل قائد فاجنر يُفجيني بريجوجين إثر تحطم طائرته التي تقله و6 من مرافقيه من بينهم مساعده دميتري أوتكين في سماء منطقة تفير، بعد مُغادرتها موسكو متوجهة إلى سان بطرسبورغ، لكن أسباب تحطم الطائرة ما زالت غامضة مع وجود كثير من الشكوك حول سبب تحطهما. فمنهم من جعل زراعة عبوة ناسفة فيها هو السبب، ومنهم من قال إن المُضادات الأرضية الروسية هي التي أسقطت تلك الطائرة، ومنهم من يضع الرئيس فلاديمير بوتين نفسه وأجهزته الأمنية في دائرة الاتهام، من منطلق أنه أكد أنَّه لا يسامح على الخيانة، وفقًا لما ذكره في مُقابلة مصوّرة. وتتمثل الخيانة في زحف قائد فاجنر وجنوده إلى موسكو في يونيو الماضي بعد أن استولوا على المقر العام لقيادة الجيش الروسي في مدينة روستوف المجاورة لأوكرانيا، وحيث إنَّ لفاجنر نفسها أعداءً من خارج روسيا؛ ففي محاولة الزحف إلى موسكو والتي نسب دعمها ماديًا للولايات المتحدة الأمريكية بأموال تقدر بمليارات الدولارات، ثم عودة قائد فاجنر إلى الولاء الروسي من جديد، كل ذلك يضع شكًا في تصفيته من قبل الأجهزة الأمنية الأمريكية، وهذا أحد الاحتمالات، كما إن وجود هذه المجموعة المُسلّحة في سوريا لتقديم خدماتها العسكرية هناك، يعني أن أعداءه من السوريين ومن المنظمات المُسلّحة التي تتواجد فيها، تبرر اغتيال قائد فاجنر؛ باعتباره هدفًا مشروعًا لها.
حلف شمال الأطلسي "ناتو" أيضًا عدو مباشر لمجموعة فاجنر؛ لما سببته من قلق معنوي بتواجدها في ليبيا، ومؤخرا بعد أن تواجد قائد فاجنر علنًا في القارة الأفريقية؛ حيث بث رسالة مصورة بتواجده هناك، ومن هنا فقد أمسى عدوًا مباشرًا لفرنسا خاصة بعد طلب قادة النيجر الجُدد المساعدة والعون بالاتفاق مع المجموعة في خدماتها العسكرية، وقد قدمتها لدول أفريقية أخرى قد تحررت من التبعية الفرنسية قبل بضعة أشهر، ناهيك عن التواجد الذي غيَّر شيئًا من معادلة الحرب الروسية الأوكرانية؛ حيث كانت مجموعة فاجنر سببًا في التقدم الروسي في باخموت، والاستيلاء عليها بعد معارك ضارية، مات فيها الكثير من جنود المجموعة.
أما الدولة المجاورة لأوكرانيا وبيلاروسيا، وهنا أعني بولندا، فإنها تعتبر قائد فاجنر هدفًا مشروعًا لها بعد أن وضع مجموعته على حدودها بدعم من روسيا، وهي على علم بأنَّ القوات التي حاربتها المجموعة في باخموت أكثر تدريبًا وقوة وكفاءة من قواتها.
وإذا كان كل من ذكرناهم هنا هم أعداء لزعيم فاجنر في الخارج، فإنَّ روسيا بلده الأم لا تخلو من الأعداء أيضًا؛ فزعيم فاجنر كان قد شبّه النخب الروسية بتشبيهات تدل على عداوته العلنية لهم. وفي تصريحات له قارنَ الرجل نفسه بالقادة الروس الذين يعملون لصالح الدولة الروسية ووضعهم بالمقابل له كقائد الجيش الروسي وقائد القوات الفضائية الروسية، لكنه نسي أنه يعمل معهم وباتفاق وقعوه هم مع شركته مقابل دفع المال.
أما عن القادة السياسيين في روسيا فهم أشد عداوة له وذلك من منطق "لا عدو دائم كما لا صديق دائم"؛ فالذي تجرأ بالاستيلاء على المقر العام لقيادة الجيش الروسي في مدينة روستوف وقرر الزحف إلى موسكو العاصمة السياسية للدولة الروسية في وقت حربها مع دولة أخرى، فإنه في حكم السياسيين "عدوٌ" حتى وإن اعتذر أو تم نفيه من الدولة. وبمجرد أن تهدأ الأوضاع، فإن استبداله بالشخص الأكثر ولاءً، هدفٌ لا مناص عنه.
لكن يبقى السؤال: هل الوقت مناسب بعد أن تواجد جنوده في بيلاروسيا وخارج جبهات القتال؟ وإذا تساءلنا عمّا إذا كانت طائرته قد فُجِّرت بزراعة قنبلة أم لا؟ فإن الجواب يقول: إذا كان المقاتلون المرتزقة يؤمنون بعملهم لمن يدفع أكثر وأنهم سيموتون في سبيل المال عاجلًا أم آجلًا، فإنه قد يكون أحد المتواجدين في الطائرة ممن قُتلوا هو الذي كان يحمل القنبلة، وذلك لإيمانه بموته من أجل المال، فإن لم يمُت على متن تلك الطائرة؛ فإنه سيموت على جبهات القتال!