قبل أن يقع الفأس في الرأس

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

 

أحيانًا يجد بعض الأفراد أنفسهم في وضع مالي صعب، ويبدأون في الصراخ والاستعطاف لإنقاذهم من براثن السجن، أو المطالبات المادية، ويهب أصحاب الأيادي البيضاء والقلوب الرحيمة لنجدتهم، ومحاولة إنقاذهم من محنتهم، وتنهال عليهم المساعدات المالية والعينية، تعاطفًا معهم، وتقديرًا لظروفهم، وتلبية لنداء الواجب، والتآخي الديني، ويتم إنقاذهم من تلك الحالة التي يعانون منها.

لكن البعض من هؤلاء يكرر نفس السيناريو، ويعودون لنفس الحكاية، ويدخلون في ذات المتاهة، ويخطون لنقطة الصفر الأولى، ثم يبدأون البكاء والصراخ من جديد، مستسهلين الأمر، ومعتمدين على الجمعيات الخيرية، وأهالي العطاء، ونسوا أنه "لا تسلم الجرّة كل مرة" كما يقول المثل.

والحقيقة.. أن بعض الحالات التي يقع فيها الناس، هي نتيجة حساباتهم الخاطئة، ومغامراتهم غير المحسوبة، وأحياناً كثيرة نتيجة لقروضهم غير الضرورية، فمنهم من يقترض لشراء سيارة تفوق قدرته الشرائية، وآخرون يقترضون للسفر ولاقتناء الحاجيات الكمالية، وغيرهم يقترضون لمشاريع غير محسوبة المخاطر، وبهذا يقعون فريسة للديون البنكية التي لا ترحم، وبالتالي فهم من وضعوا أنفسهم في موقع الضحية، وهم من تسببوا في تشتيت أسرهم التي لا ذنب لها، وأصبحوا بذلك تحت ضغط نفسي واجتماعي يفوق طاقاتهم، وقد تأتي مساعدتهم من جديد على حساب حالات مستحقة فعلا، آثرت الصمت، والتعفف، ورغم أن الواجب الإنساني يحتّم مساعدة كل من يمر بضائقة مهما كان الأمر، إلا أن البعض من هؤلاء يكررون الخطأ، ويرتكبون نفس "الحماقة"، ثم يهاجمون الدولة، ومؤسساتها، وكأن الدولة ملزمة بتسديد فواتير مغامراتهم.

صحيحٌ أنَّ على الدولة مسؤولية اجتماعية وأخلاقية تجاه حالات يمر بها مواطنوها الذين يقعون ضحية لظروف خارجة عن إرادتهم، إلَّا أنها ليست مسؤولة عن كل الحالات التي يختلقها البعض منهم، نتيجة عدم مبالاتهم، ولا مسؤولياتهم تجاه أنفسهم، وتجاه أسرهم، ولذلك على الشباب أن ينتبهوا إلى خطواتهم جيدًا، وعليهم التفكير 1000 مرة قبل الإقدام على تقديم قرض بنكي، أو الدخول في مشروعات غير ذات جدوى، أو فوق طاقتهم، وأن يحسبوا ألف حساب لخطواتهم، وعليهم قبل التفكير في شراء سيارة فاخرة بالأقساط غير المريحة، أن ينظروا إلى قدرتهم المالية، وقبل الدخول في مشروع تجاري عليهم أن يدرسوا الجدوى الاقتصادية، ويحسبوا حساب المخاطر القريبة والبعيدة، وأن يتدرجوا في احتياجاتهم الآنية، والمستقبلية، حتى لا يقعوا في براثن الندم والحسرة، وقبل أن يريقوا ماء وجوههم أمام أبواب المحسنين، ثم يحمّلوا الدولة المسؤولية.

إنَّ وجود "بند للمعسرين" في منظومة الحماية الاجتماعية ربما يسد ثغرة مُهمّة، ويساعد أولئك الذين يقعون تحت طائلة الأحكام القضائية، ويعين أولئك المحتاجين فعلًا، والذين وقعوا نتيجة لظروف خارج إرادتهم، كالتسريح المفاجئ من العمل، أو الإصابة المقعِدة عن الكسب، وغيرها من الحالات الطارئة، وقبل كل ذلك، على كل فرد أن يراجع حساباته، وأن ينتبه لخطواته، قبل الإقدام على أي مُغامرة مالية، وقبل أن يقع الفأس في الرأس، ثم لا يفيد بعد ذلك النواح.