عضو المجلس البلدي بين "البرستيج" والواقع

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

المجالس البلدية إحدى نتاجات الشورى المُجتمعية، ورغم أننا ما زلنا في بداية التجربة، إلا أننا نحاول أن نرصد حركة المجتمع في هذا الاتجاه، لعلنا نستطيع أن نرى زاوية الرؤية الصحيحة، فهذه التجربة المحلية- كانت فيما مضى- مجرد واجهة شكلية غير ذات فاعلية، يتهافت عليها بعض أفراد المجتمع ظناً منهم أنها ذات عائد مادي واجتماعي و"برستيجي" وحين رأوا بأمّ أعينهم أن ذلك مجرد "وهم"، وأن كلمة العضو البلدي لا يُعتد بها، ولا يقام عليها حجة، انسحب بعضهم، وتبرأ البعض منها، واستقال أعضاءٌ آخرون، لأنها لم تلبِ طموحاتهم الشخصية، ولم يكتسبوا لقب "سعادة"، ولأنَّ البعض اعتقد أنه سيُعلن عن اسمه في الاحتفالات الرسمية وغير الرسمية، مثله مثل أعضاء مجلسي الدولة والشورى، لكنه صُدم بالواقع، وقرر ترك "المنصب" الذي لم يورِثه غير صداع الرأس، وإلحاح وطلبات المواطنين، بينما هو عاجز عن فعل أي شيء يعود عليه بالمنفعة الشخصية!

هذه النظرة القاصرة والمبتورة لبدايات المجلس البلدي كان لها ما يسندها، وذلك كأحد إرهاصات، وعثرات البداية لأي تجربة، أما التجربة الحالية في دورة انتخاباتها الجديدة فقد تبدو أكثر اختلافًا وتمايزًا؛ فالأعضاء تم تقليصهم، إلى عضوين عن كل ولاية، والصلاحيات أصبحت أكثر تركيزا ووضوحا، والمهام محددة، ولا عذر لعضو المجلس البلدي من تركيز جهوده، ووقته، في ما هو منوط به، وضمن دائرة اختصاص لا يتعداها، ولا يتجاوزها، ولعل هذه الدورة ستكون بمثابة المؤشر الفعلي لما تريد الحكومة الوصول إليه في تجربة إشراك المواطن في القرارات البلدية، فلا يمكن قبول مجلس "شعبي" ضعيف وسط تيار حكومي رسمي "معيّن" داخل المجلس يفرض رأيه، ورؤيته على بقية الأعضاء، وإلا فقد المجلس دوره، وأضعف ذلك عموم التجربة البلدية، وأصبح هذا الكيان مجرد شكل هلامي يديره مسؤولو الجهات الحكومية.

فعضو المجلس البلدي الذي يسعى للترشح عليه أن يكون ذا شخصية قيادية قوية، ورؤية حكيمة، وذا رأي وسعة أفق واطلاع، وأن يتسلح بكل الإمكانيات العلمية والعملية التي تؤهله للاقتراح والنقد، وأن لا يغلّب مصلحته الشخصية على المصلحة العامة، وأن يكون أمينا على أصوات الناخبين، وإيصال صوت الولاية التي يمثلها بشكل لائق، فالعضوية لم تعد مجرد ديكور خارجي خاصة في هذا الوقت، حيث تتحرك كل أجهزة الدولة لتحقيق "رؤية 2040"، فتكاملية الرؤى، وتعامدها مع الرؤية الكلية سيصب في خانة الوطن بشكل عام، وأي مقترح يسهّل الحياة على المواطن، ويُحقق آماله وطموحاته، سينعكس أثره على المرود الاقتصادي والاجتماعي للدولة، وسيعود على الوطن ككل بالخير.

إنَّ التقسيم الإداري للدولة من خلال إعطاء الصلاحيات والاستقلال المالي للمحافظات، سيكون أكثر وضوحًا، وتأثيرًا، وتركيزًا في ظل وجود مجلس بلدي قوي، وفاعل، ومؤثر، وذي رؤية بعيدة المدى، يعمل بروح الفريق الواحد، ويرسم خارطة طريق واضحة المعالم، يتعاضد مع الجهود الحكومية والاستراتيجيات العليا للدولة، لوطنٍ مزدهر، قادر على العطاء، يكفل العيش الكريم لمواطنيه، والمشاركة بحرية في بناء المستقبل لأبنائه، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.