ما بعد "شاهين"

 

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

 

سيكتب التاريخ أنَّ الإعصار المداري شاهين مرَّ من عُمان كما مرَّت غيره من الحالات المدارية حينما تصدى له أبناء الغبيراء بكل بسالة واستبسال متكاتفين متضامنين متعاونين ومسطرين لوحة عنوانها عُمان قوية بهمم وسواعد شعبها الذين تجاوزوا بفضل الله تعالى العديد من المحن ومنذ الأزل فالتصميم والكفاح والإرادة من طبيعة ونهج الشخصية العُمانية.

جاءت التوجيهات السامية بتشكيل لجنة وزارية لتقييم الأضرار التي تعرضت لها منازل المواطنين وممتلكاتهم وتوفير شتى أشكال الدعم والمساعدة اللازمين برئاسة وزير المالية بمثابة بشرى وتخفيف لما حلَّ بهم جراء الأنواء المناخية بل وجاء اجتماع اللجنة فور تشكيلها ليبث رسالة اطمئنان بأنَّ القادم فرج وفرح واستبشار، فقط جل ما نتمناه أن يكون العلاج ناجعًا وسريعًا وفعالًا بعيدًا عن البيروقراطية وتعقيداتها؛ فهناك من تهدم وتضرر مسكنه ومركبته، والآخر من تأثرت تجارته ومورد رزقه ومعيشته، وهناك من تلفت مزرعته ونفقت ماشيته.

التبرعات للمتضررين جراء الأنواء المناخية "شاهين" من جانب الجمعيات الخيرية أو الأفراد بدأت تنهال، وهذا ليس بغريب على شعب العطاء شعب عُمان، لكن الغرابة حينما تعلن شركة حكومية كبرى عن مبلغ مُتواضع للغاية لا يتوافق مع أهمية الحدث الجثيم ولا يرقى إلى أرباحها السنوية الطائلة مع صمت وسكوت الشركات المحلية الكبرى الأخرى، وكأنها تتشاور أو تدرس بكم سوف تتبرع وكم سوف يتبرع غيري، وكأنهم نسوا أو تناسوا أن هذا ليس سباق مظاهر؛ بل واجب وطني وخدمة مجتمعية لا تحتاج لطول تفكير وتأخير مع الشكر لبعض الشركات التي بادرت بالتبرع فورًا وبمبالغ تستحق عليها الثناء الجزيل ونتيجة للتبرعات المالية التي تأتي من هنا وهناك.

ونتيجة أنَّ السلطنة قد مرّ عليها العديد من حالات الأنواء المناخية باختلاف أنواعها وأماكن وقوعها فكان من المفترض إنشاء صندوق للكوارث يكون هدفه توحيد جهود الجهات الراغبة في التبرع تحت مظلة واحدة تكون إدارته مستقلة، ويقدم كشفاً لمصروفاته بصفة دورية للجهات الرقابية تجنباً للقيل والقال، وكثرة السؤال، ولا مانع أن يتبع للهيئة العمانية للأعمال الخيرية؛ كونها جهة ذات صبغة حكومية وتعد بمثابة الهلال الأحمر العماني، لاسيما أن لها تجربة كبيرة وإسهامات جليلة في الأنواء المناخية داخل وخارج السلطنة، كما إنهم الذراع الحكومي في أعمال التعمير الخيرية التي تقوم بها السلطنة بالخارج، وإنشاء الصندوق إن حصل ما هو إلا من أجل التخطيط للمستقبل ولما هو آتٍ؛ فأحوال الدنيا باتت متقلبة تتغير وتتبدل باستمرار وباتت السلطنة على خريطة الدول المتأثرة بصفة شبه مستمرة بالأنواء المناخية.

عملية إعادة تهيئة البنية الأساسية المتأثرة لابُد أن تخضع للرقابة والإشراف والمتابعة من الجهات ذات العلاقة والسعي إلى أن تكون بنية مستدامة لسنوات عديدة حتى لا تكلف خزينة الدولة كل مرة مبالغ طائلة للصيانة، وأن يكون بُعد النظر واستشراف المستقبل متوفرا عند الإنشاء أو الإصلاح ويجب أن يعي كل مسؤول أن جودتها وديمومتها أمانة أمام الله والشعب.

ولشركات الكهرباء والاتصالات والمياه في المناطق المتضررة دور كبير في إرجاع الخدمات الأساسية للمواطنين في أقرب فرصة ممكنة؛ فالعديد من المواطنين ما زالوا يعانون من انقطاع الخدمات منذ ثلاثة أيام مضت، وهذا ليس بالأمر الهين، فمن يقدر الآن على العيش دون ماء وكهرباء وحرارة الجو ما زالت مستعرة؟!

كما يجب أن تعمم أهمية نشر ثقافة تأمين الممتلكات بأنواعها ضد الكوارث، لا سيما بعد تعدد الحالات المدارية خلال السنين الماضية، بما فيها بالطبع المنازل، وأن تساهم شركات التأمين في الحدث بعدم المبالغة والتهويل في الأسعار حتى يكون متاحًا للجميع دون استثناء.

رسالة لشركات البلد وتجارها... الوطن يناديكم وأنتم لستم بحاجة لمناشدة واستعطاف، فالصدقة سببٌ في تنمية المال والبركة فيه، قال النبيّ الكريم عليه الصلاة والسلام "ما نقص مال من صدقة"، فالبدار البدار عُمان أعطتكم الكثير، وتنتظر منكم رد الدين والجميل، والوطن يبقى دينه إلى يوم الوعيد.