من يقف وراء تقدم الأمم؟

غسان الشهابي

يقف البحث العلمي في أي بلد على العتبات العليا من تقدمها وقوتها المعتمدة على الاقتصاد المتنامي، والذي يحقق لأهل البلاد الرفاهية التي تسعى إليها جميع الحكومات في العالم ولاشك، وإن كان سعيها شتّى.

وغالباً ما تجري مقارنة العالم العربي بما فيه من جامعات ومراكز بحث، بالكيان الإسرائيلي تحديداً، وإظهار التفوق للأخير، كما أنه غالباً ما تلقى باللائمة على الجامعات أو الحكومات بأنها بعيدة عن البحوث العلمية كما هي في الغرب، حيث تتوالى البحوث الدراسات بشكل لافت، وهي ليست بحوثا نظرية، ولكنها آتية من عمق المجتمع، وتحل مشكلة عالقة في قطاع من القطاعات، ويعود التساؤل: أين الأمة العربية من التطور مادام هذا وضعها في الجانب البحثي؟! ويلتفتون في الغالب إلى الجامعات وتبدأ جلسة جلد الذات.

تؤدِّي الجامعات في العالم الدور الحيوي الأبرز في الإنتاج العلمي والبحوث والدراسات، لكنها لا تنتج وترمي ما تنتجه في الهواء لعل أحداً يلتقطه، بل الكثير من الجامعات العالمية تشجع أساتذتها على العمل مستشارين وباحثين لدى شركات الإنتاج العالمية في كل مجال، وتبدأ الشركات في التواصل مع الجامعات ومراكز البحوث والدراسات المختلفة، لكي تضمن مكاناً مرموقاً مع منافسيها، وتحاول الشركات حل مشكلة في دورة إنتاجها عن طريق البحث العلمي، وتنفق شركات أخرى بسخاء على بحوث تستخدم فيها العشرات من حملة شهادة الدكتوراه، ولسنوات متتالية من أجل الخروج بمنتجات فريدة يمكنها أن تقفز بأرباحها وتُعلي من قيمتها السوقية. في الوقت الذي تفخر فيه الجامعات أنها من كان يقف وراء هذا الفتح العلمي.

هذه الصورة بعيدة جدًّا عن الواقع في الوطن العربي؛ حيث البنية الإنتاجية تتأرجح بين الضعف والفقر، والمؤسسات بالكاد تتنفس وترفع ذقنها عن سطح الإفلاس، ناهيكم عن أن غالبية المتمولين العرب آتية ملايينهم إما من مقاولات، أو من بيع منتجات تم تصنيعها في غرب العالم وشرقه، أو في جانب من جوانب الخدمات فما حاجة التاجر إلى البحوث والدراسات، وحتى دراسات السوق كم يمكنه أن ينفق عليها إذا ما كان مختلفاً عن غيره من المنافسين وأراد أسلوباً آخر. فما دام الإنتاج ضعيفاً جداً في هذه المنطقة من العالم، فلا يمكن للجامعات أن تنعش بحوثها في حركة دائرية ما بين ما يحصل عليه الأستاذ الباحث، ونسبة الجامعة من مداخيل هذه الأبحاث لكي تطور معاملها وتستقطب باحثين جدد. أما الحكومات، فإذا ما أرادت القيام ببحوث، ولّت وجهها شطر الشركات الغربية المعروفة!

البحث العلمي لا يأتي وحده منفرداً دون ما يُعرف بـ"البيئة البحثية" التي توفر له البيانات والمعلومات الأساسية في كل قطاع، وهذه شكوى عربية عامة، خصوصاً وأن الباحث يعامَل أحياناً بريبة عالية، وهي البيئة التي تنفع بسخاء من أجل الخروج بالجديد في كل مجال، مع وجود بنية الصناعات بأنواعها، التي تطبق ما يتم التوصل إليه، وتبدأ قصة براءات الاختراع، وتروس كثيرة وعظيمة تحرك بعضها بعضاً في صناعة متكاملة قوامها البحث العلمي بصفته القادر على الانتقال بالمنتجين إلى ضفاف جديدة.

كيف حالنا؟!