الاستقالة وحدها لا تكفي

 وليد الخفيف

كُنت مدركًا أنَّ خروج منتخب مصر من نهائيات أمم إفريقيا مسألة وقت ليس إلا، عطفا على ما ظهر به من مستوى باهت في دور المجموعات؛ فالاتحاد كان مُوجِّها طاقاته لملء السلَّة فقط، ورغم هذا التوقُّع الذي يشاركني به الكثيرون إلا أننا تجرَّعنا مرارة العلقم في ليلة ظلماء عُنوانها دموع أطفال عظماء في حب الوطن، زحفوا مع أسرهم من كل حدب وصوب، مرتدين قميصًا مزينًا بوطنيتهم، كبيرًا فضاضًا على أشباه اللاعبين.. فدموع الصغار، وآنين الكبار، لن يشعر بها سوى المخلصين، أما ضِعَاف البصر والبصيرة فلم يُلقوا لها بالا حتى ولو تحوَّلت دموعهم دمًا، فبُوصلتهم المخضَّبة بأكياس النقد وسلة المال باتت ممتلئة عن آخرها، فهم يعانون تُخمة الغرور والاستعلاء، فلم يعُد منهم سوى القليل عطشان للكرة، فنالَ من تهالكت ملابسه من مقعد البدلاء في ناديه ثوب البطولة، وكأنه أعاد اختراع كرة القدم فهو من كوكب أوروبا، فمن اعتبروا البطولة "ترانزيت" قبل العودة لأنديتهم طُمِست ملامحهم من قلوب الجماهير، فأنتم الجيل الأسوأ في تاريخ الكرة المصرية على مر عصورها بامتياز.

سنحكي لأولادنا عن أكذوبة صنعها الحظ اسمها النِّني، وثغرة اسمها حجازي، ومادة خام لارتفاع ضغط الدم مصدرها المحمدي "ملك دكة الاحتياط"، ولاعب نادٍ فقط اسمه أيمن أشرف، وآخر منتهي الصلاحية اسمه عبدالله السعيد، وسنذكِّرهم بخلفاء متعب وميدو وعمر ذكي وبركات، سنقصُّ لهم حكاية مهاجم مصر الأول مروان محسن، والنجم العالمي كوكا، وعفوًا لن أقص لهم قصة وردة، ولكن سأقص لهم قفاز الإجادة للشناوي، وكفاح المحارب طارق حامد رمز الرجولة، وأتامل أن يكون صلاح لاعبا فقط، أما المدرب الأغلى في البطولة فـ"حلال عليك الـ180 ألف يورو في الشهر" إذا كنت تستلمهم فعلا بعيدا عن سماسرة الطريق، فأنت ومن قبلك كوبر أنسيتمونا كرة القدم التي مارسها المصريون من قبل عام 1900.. فلتعانقوا وسام الفشل برأس مُنكَّسة، جباهها لا تعلو عنان السماء.

وما زال حديث هاني رمزي يرنُّ في أذاني عندما خاطب جمهور مصر العظيم قائلا: "إنها خياراتنا، ومن لا تعجبه تلك الخيارات فعليه أن يجشع منتخبا آخر"؛ باعتبار أن منتخب مصر "وسية"؛ فمن أين أتيت بتلك العنجهية الزيفاء وأنت مدرب الخيبات، ولم يشهد تاريخك أي نجاح مهني، فالواو وحدها -أو "الكوسة" باللغة الهيروغليفية القديمة- هي من أتت بك لمكان أنت لست أهلًا له، فلقد كنت في المكان الخاطئ مثل لهيطه رمز التسيُّب.

ربما تكون المنفعة الوحيدة من مغادرة الحفل قبل الضيوف ونحن أصحاب العُرس، هو التنظيم الراقي الذي نقل رسالة للعالم مفادها قدرة مصر التي يعمُّ أرجاءها الأمن والأمان على التحدي والنجاح؛ فلأنها مصر نجحت.

أما المنفعة الثانية، فتتمثل في رحيل غير مأسوف عليه لمجلس "السبوبة".. فهل ترحلون حقا؟ أشكُّ في ذلك! فلقد تأخر رحيلكم كثيرًا؛ فموعدكم كان عقب مونديال روسيا الذي نال فيه المنتخب تحت رايتكم لقب أسوأ منتخب في البطولة، فمناداة الجماهير لم تُلق الدولة لها بالا، فصُمَّت الآذان بحديث واه من ألسنةٍ لا تعرف إلا مصلحتها، فأبت الرحيل رغم كُره الجماهير لطلتها البهية؛ فلقد سئمنا النظر لوجوه تتلوَّن بأقنعة زائفة وبثوب متهالك من المثالية، فمسؤولو الاتحاد نجومٌ يقضون لياليهم الهنيئة على شاشات الفضائيات، فيشدون بإنجازاتهم الفريدة كوسلية لزيادة الغلة، فلا يحدث ذلك إلا في مصرنا عجبا، فلا منظم للعلاقة بين المؤسسات والإعلام تحت تأثير النفوذ؛ فالرحيل وحدة لم يعد كافيا، فلرُبما حان وقت الحساب العسير.