سياسة الأمر الواقع تنتصر "مؤقتًا"!

 

 

وليد الخفيف

لم تعد الدعوة إلى إنشاء مركز وطني للتحكيم الرياضي ترفًا تنظيميًا أو خيارًا مؤجلًا؛ بل تحوّلت إلى ضرورة ملحّة تفرضها الوقائع المتكررة داخل بعض الاتحادات والأندية الرياضية، في ظل ما تشهده الساحة من نزاعات انتخابية وإدارية تفتقر- بحسب مراقبين- إلى الحسم العادل والشفافية المطلوبة.

ويرى مختصون أن نجاح أي مركز وطني مرتقب للتحكيم الرياضي يبقى مرهونًا بإجراء تعديلات جوهرية على الأنظمة الأساسية للاتحادات الرياضية المدعومة حكوميًا، وفي مقدمتها إلغاء البنود التي تمنح الجمعيات العمومية حق اختيار لجان الانتخابات ولجنتي الطعون والاستئناف، وهي آلية أثبتت التجربة العملية محدوديتها وعجزها عن ضمان الجودة والاستقلالية.

وتُعد انتخابات الاتحاد العُماني للرياضات المائية نموذجًا بارزًا لهذه الإشكاليات، بعد أن شهدت إبعاد 6 أندية هي: العروبة، الكامل والوافي، النصر، الوحدة، جعلان، ومصيرة، إلى جانب إقصاء مرشحيها من السباق الانتخابي، في خطوة وصفتها الأندية بأنها "مقصودة ومبيّتة".

وتعود جذور الأزمة إلى 31 ديسمبر 2024، حين أصدر مجلس إدارة الاتحاد قرارًا بتعليق عضوية الأندية المشار إليها، مستندًا- بحسب القرار- إلى ما قيل إنه توجيه من الاتحاد الدولي بعدم التصويت على النظام الأساسي المعتمد، غير أن اللجنة العُمانية لفضّ المنازعات والتحكيم الرياضي ألغت لاحقًا قرار التعليق، مؤكدة أحقية الأندية ومرشحيها في المشاركة الكاملة بالانتخابات، بما يشمل التصويت والترشح.

ورغم ذلك، دخلت القضية منعطفًا جديدًا قبل 24 ساعة فقط من موعد الانتخابات، عندما صدر في 25 مارس 2025 قرار مفاجئ موقّع من الرئيس السابق للاتحاد العُماني للرياضات المائية، يقضي بتعليق بعض امتيازات العضوية، وحرمان الأندية من حق الترشح والتصويت والمشاركة في اجتماع الجمعية العمومية الانتخابية.

وبحسب ما ورد في القرار، فإن الأندية «لم تستوفِ متطلبات العضوية»، دون تحديد هذه المتطلبات أو إرفاق أي مستندات أو توضيح طبيعة المخالفات، الأمر الذي أثار تساؤلات قانونية حول مشروعية الإجراء وتوقيته.

ووفق النظام الأساسي، فإن اللجنة الانتخابية هي الجهة المختصة بالنظر في صحة الترشح وإعلان القوائم الأولية والنهائية، غير أن قرار الإبعاد صدر موقّعًا من الرئيس السابق للاتحاد قبل ساعات من انعقاد الجمعية العمومية الانتخابية، في سابقة اعتبرها الطاعنون تجاوزًا صريحًا للاختصاصات.

وكان من المفترض- بحسب النظام- إعلان القائمة النهائية للمرشحين وتأجيل الجمعية العمومية الانتخابية لإتاحة الفرصة أمام الأندية للطعن في قرار التعليق، إلا أن الانتخابات أُقيمت في موعدها، مع منع الأندية المستبعدة من دخول القاعة بإجراءات وُصفت بأنها غير مسبوقة.

وبعد الانتخابات، لم تجد الأندية المستبعدة خيارًا سوى اللجوء إلى الطعن، غير أنَّ لجنة الطعون رفضت النظر في النزاع بدعوى عدم الاختصاص، مبررة ذلك بأنَّ قرار التعليق صادر عن مجلس إدارة الاتحاد، وهو ما زاد من تعقيد المشهد.

وأشارت عريضة الطعن المقدمة إلى اللجنة العُمانية لفضّ المنازعات إلى أن قرار التعليق خالف المواد (17) و(45) من النظام الأساسي، المتعلقة بآلية اجتماع مجلس الإدارة وإصدار القرارات، مؤكدة عدم وجود أي محضر اجتماع أو تصويت رسمي يُجيز القرار، ما دفع الطاعنين للمطالبة ببطلانه وإلغاء جميع آثاره. كما لفتت العريضة إلى أن الاتحاد كان ملزمًا بعرض قرار التعليق- حتى لو كان جزئيًا- على أقرب جمعية عمومية، والتي صادفت الجمعية الانتخابية صباح 26 مارس 2025، إلا أن ذلك لم يحدث، ما اعتبرته الأندية توجهًا متعمدًا لإقصائها من السباق الانتخابي.

وقالت الأندية الطاعنة في صحيفة الدعوى إن "الوقائع تكشف عن استهداف واضح للطاعنين ومرشحيهم، بهدف حرمانهم من الجمعية العمومية الانتخابية فقط، في مخالفة صريحة لأحكام النظام الأساسي ومبادئ المساواة والديمقراطية الرياضية". وأضافت أنه في جميع الأحوال لا يُغني عن اتباع الإجراءات القانونية المنصوص عليها في النظام الأساسي عند إصدار قرارات التعليق.

ومنذ 17 أبريل 2025، لا تزال القضية منظورة أمام اللجنة العُمانية لفضّ المنازعات والتحكيم الرياضي دون صدور حكم نهائي، رغم مرور أكثر من 250 يومًا، متجاوزة المدة القانونية المحددة في المادة (27) من لائحة اللجنة، والتي تنص على إصدار الحكم خلال 90 يومًا قابلة للتمديد مرة واحدة فقط.

وشهدت القضية تطورات خطيرة، من بينها طلب أحد المُحكِّمين إعفاءه من هيئة التحكيم، احتجاجًا- بحسب خطاب رسمي- على ما وصفه بـ"تدخل رئيس هيئة التحكيم بشكل شخصي"، عبر استدعاء مقرر اللجنة والاطلاع على رأيه في النزاع، بعد أن كانت الهيئة قد اتخذت قرارًا مبدئيًا بالأغلبية.

واعتبر المُحكِّم أن هذا الإجراء يشكل «مخالفة جوهرية لأصول واستقلالية التحكيم»، مؤكدًا أن رأي المقرر أثّر على توجه بعض الأعضاء، ما دفعه إلى طلب الإعفاء استنادًا للمادة (21) من اللائحة.

ورغم خطورة ما ورد في خطاب المُحكِّم، تم استبعاده دون فتح تحقيق موسع، وتعيين مُحكِّم بديل، إلا أن الأخير فوجئ- بحسب ما صرّح به في برنامج «بطاقة بيضاء» بإذاعة الشبا- أن الحكم كان جاهزًا للتوقيع في أول جلسة، ما دفعه لرفض التوقيع وطلب الإعفاء هو الآخر، منتقدًا الإجراءات ومطالبًا بتعديلات تنظيمية، مشيرًا إلى أن «الإجراءات في المحكمة الكروية أكثر دقة".

وبعد انسحاب المُحكِّم الثاني، ما تزال القضية عالقة، وسط صعوبات في تعيين مُحكِّم جديد وفق ما تنص عليه اللائحة، وباختيار الطاعنين، لتبقى الأزمة دون حسم حتى اليوم، وتطرح تساؤلات واسعة حول واقع التحكيم الرياضي، وضرورة إصلاح منظومته، بعيدًا عن سياسة الأمر الواقع التي يبدو أنها انتصرت مؤقتًا.

وفي ضوء ما كشفته هذه القضية وتأخير غير مُبرر في الفصل بالنزاعات، تتعزز المطالب بإشهار مركز وطني مستقل للتحكيم الرياضي، يكون مُنفصلًا تمامًا عن اللجنة الأولمبية، ويُشكَّل من خبرات قضائية وقانونية متخصصة تُعيَّن من قبل الجهة المعنية بالدولة ، ويتولى هذا المركز إعداد لائحته التنظيمية بصورة مستقلة، وتحديد مقره وآليات عمله واختصاصاته، وفق أسس واضحة تكفل النزاهة والاستقلالية، وتضمن تحقيق مبادئ الشفافية والحياد والعدالة الناجزة، بما يعزز الثقة في المنظومة الرياضية، ويضع حدًا لتكرار الأزمات والنزاعات التي أفرزتها سياسة الأمر الواقع.

الأكثر قراءة

z