إلى أولياء الأمور.. "حصِّنوا بناتكم بالفضيلة"

سَيْف المعمري

الأسرة هي النواة الأولى في بناء الأجيال، وهي الحضن الآمن الذي يُحصن فيه الأبناء بالأخلاق والقيم الفاضلة، ولقد عُرف عن المجتمع العُماني التماسك والتعاضد الأسري، مما أسهم بدوره الإيجابي في الانسجام المجتمعي، إلا أنَّ الحياة المدنية المعاصرة وما أفرزته وسائل التواصل والاتصال من اختراق الحدود والخصوصيات، ضاعف مسؤوليات الأسرة في تربية الأبناء، وبناء الثقة والمسؤولية تجاه أنفسهم أولا وتجاه الآخرين.

كما أنَّ بعض الأسر -وللأسف الشديد- تخلت وبنسب متفاوتة عن مسؤولياتها تجاه أبنائها، وانشغلت عن دورها المحوري في تنشئة الأبناء وتهذيبهم وتحصينهم بالفضيلة إلى ما هو أبعد من ذلك؛ فأصبحت تلهث وراء جمع الأمور والانقياد وراء الموضات والسفرات، والبحث عن المناصب الوظيفية العليا ونحو ذلك، مما انعكس سلبا على التربية، وكشرت الذئاب البشرية عن أنيابها، وأصبحت الفريسة في أحضانها، فوقعت الفاحشة أو كادت أن تقع.

وتنفطر القلوب حينما تسمع وتشاهد حالة الخنوع التي وصل إليها الأبناء في مجتمعنا المحافظ وعلى وجه الخصوص البنات؛ نتيجة فراغ التربية الذي أحدثته الأسر، وقد ترددت كثيرا في الكتابة عن هذه القضية حتى لا أخدش حياء المجتمع، لكن القضية فرضت عليَّ نفسها، وآلمتني تلك القصص التي قصَّها عليَّ أصحابٌ قريبون من عوالمها، فضلا عن مشاهداتي المتكررة لحالات المعاكسات التي تندفع إليها البنات تجاه الشباب في المؤسسات الجامعية ووسائل النقل العامة، والأسواق والمراكز التجارية والحدائق والمستشفيات وكذلك في شبكات التواصل الاجتماعي.

فقد اتصلت بي إحدى المربيات الفاضلات في إحدى المؤسسات الجامعية وهي تشكو هول المصيبة التي وصلت إليها بعض الطالبات من الانحلال الأخلاقي، واللباس غير المحتشم، والاستماتة في محاولات الخروج غير المبرر من البيئة أو من السكنات الجامعية إلى مقاصد غير معلومة، فضلا عن انجرارهن في المعاكسات والتحرش بالطلاب. ورغم الإجراءات الصارمة في تصاريح الخروج من السكنات الجامعية إلا أن البعض منهن يستغللن تصريح الخروج في الذهاب إلى أماكن سكناهن في محافظاتهن في الخروج مع شباب لا تربطهن بهم أي صلة قرابة دون علم ذويهن، خاصة اللائي يستقررن في السكنات الخاصة التي لا تتحمل المؤسسات الجامعية أدنى مسؤولية في متابعتهن فيها خارج تلك البيئة، وفي وسائل النقل الخاصة التي تنقلهن من وإلى أماكن سكناهن إلى الجامعة أو بيوت ذويهن في المحافظات، ووصل الحال ببعضهن إلى مبيتهن خارج تلك السكنات -ولأيام- مع شباب لا تربطتهن بهم أي صلة قرابة.

ولم يُخفِ لي أحد الشباب حالة الامتعاض الشديد من سوء أخلاقيات الطالبات في الحافلات بين حركاتهن البدنية وهمساتهن اللفظية -وهو يعمل كسائق مع أحد أصحاب الحافلات الخاصة التي تنقل الطالبات من وإلى مؤسستهن الجامعية إلى السكنات الجامعية الخاصة، وإلى أماكن سكناهن في بيوت ذويهن في المحافظات- مستفهما عن أسباب الانحلال الأخلاقي وضعف الوازع الديني وغياب أثر التربية الأسرية في بنات اليوم وأمهات المستقبل، وراجيا مني أن أبعث برسالة عاجلة لإعلان ناقوس خطر يدق على باب كل أسرة، للالتفات إلى حجم القضية التي تهدد تماسك المجتمع وتعلقه بالفضيلة.

ومما يزيد من تشخيص القضية عن قرب ذلك الموقف الذي أفادني به أحد سائقي الحافلات المدرسية من الحركات الخادشة للحياء والألفاظ النابية التي تصدر من الطالبات وفي أعمار دراسية متوسطة، فضلا عن المعاكسات بالهواتف النقالة داخل وخارج الحافلات، مما يؤكد أنَّ غياب التربية وضعف المتابعة أو انعدامها من الجهات ذات العلاقة وأولها الأسرة سببٌ في تفشي هذه القضية اللاأخلاقية.

وخلافا للمواقف سالفة الذكر، فقد أدهشني ارتفاع أصوات بنات وبلا حياء -وأجزم أنهن طالبات جامعيات- في أحد المتنزهات العامة عند العاشرة ليلا وهن يتغامزن ويتلامزن بالكلمات النابية، ويتمايلن في مشيتهن، وقد أردفتْ أحدهن بصوت مرتفع قائلة: "أهلنا ما يعرفوا عنا أي شيء، أعملن ما شئتن".

تلك بعضٌ مما يكثر الحديث عنه في المجتمع حول ضعف الوازع الديني والأخلاقي وغياب الأسرة عن دورها الفعلي في التأثير في الأبناء بشكل عام والبنات بشكل خاص، مما يدق ناقوس الخطر لكل أصحاب الشأن لعدم تفاقم تلك القضية الخطيرة والتي يتعدى أثرها الأسرة إلى المجتمع بأسره، فالتوعية والتثقيف من المؤسسات التربوية والمنابر الدينية والاجتماعية، وبث الرسائل التوعوية لأولياء الأمور وتواصلهم ومتابعتهم لأبنائهم وبناتهم في المدارس والجامعات وفي كل مكان، فالله تعالى يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ" [التحريم:6]،وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: "وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".

 كما يجب على أصحاب الشأن عدم الاكتفاء بالصمت ومصارحة المجتمع بوجود هذه القضية الخطيرة، والعمل سويا على إيجاد حلول تخفي مسبباتها، وعدم تهاون الجهات القانونية في معاقبة كل من تسوِّل له نفسه خدش حياء المجتمع، ورسالتي إلى أولياء الأمور تتلخص في: "حصِّنوا بناتكم بالفضيلة".

وبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت...،

Saif5900@gmail.com