القوة الروسية تهزم الفوضى في سوريا

حمد بن سالم العلوي

لقد انعقد عزم الغرب والعرب على تفريق دم سوريا بين القبائل المتحالفة، ولكن الدّهاء الروسي وقبله حكمة الرئيس الراحل حافظ الأسد منعا الشَّر أن يقع، وإلاّ ألحقت سوريا اليوم بليبيا وحُولت إلى قافلة الدول العربية الفاشلة، وهي كُثر، وهناك المزيد على الطريق بفضل مال العرب الرغيد، ولكن لماذا يُنسب الفضل هُنا إلى الرئيس السابق "الأب" وليس الحالي "الابن" وأقول الفضل للإثنين معاً، فالرئيس حافظ الأسد كانت له رؤية ثاقبة، تُقطف ثمارها اليوم، فقد غرس زرعها الأب عندما وقَّع مع الاتحاد السوفيتي - آنذاك - اتفاقية دفاع مشترك مدته ثمانين عاماً، وقد كان يعرف أنّ الروس لا يتوقعون مساندة عسكرية من جيش سوريا لنجدة دولة عظمى كالاتحاد السوفيتي، ولا حتى روسيا الوريثة لذلك العرش القيصري، وإنما سوريا قد تحتاج إلى نجدة الجيش الأحمر يوماً ما، وقد ساق إليه فكره ووضوح رؤيته هذا القرار، ولأنّه كان يعرف العرب بعدما صار الغدر من شيمهم، وخاصة وقت ضعفهم، حيث يصبحون أكثر ضرراً على بعضهم بعضاً.

لذلك غسل يده منهم، فأعطى قاعدة عسكرية بحرية للروس في طرطوس على البحر الأبيض، وبذلك ادَّخر قرشه الأبيض ليومه الأسود، وهكذا صار لسوريا سور من فولاذ، فقد ذابت وساحت الدول العربية الواحدة تلو الأخرى، بمجرد هبوب نسنسة قليلة من رياح ليست عاتية، أطلق عليها مصطلح (ربيع العرب) على وزن (ربيع براغ) في ستينيات القرن الماضي، هذا وقد جرّبت أمريكا والغرب مع سوريا في عام 2013م، أسلوب القعقعة الإعلامية قبل بدء الحرب، وكانت تظن أن الروس بـ (التجربة) مع دول عربية أخرى، لن يفعلوا شيئاً عدا الاحتجاج، ولكن القرار الروسي هذه المرة كان صادماً، وذلك عندما تصدَّى بقوة السلاح للغطرسة الأمريكية، فقد أخمد الحرب التي كادت أن تنشب وتعصف بالعالم أجمع، فتم وأدها في مياه البحر الأبيض المتوسط، فلم تصل الصواريخ العابرة للقارات إلى هدفها، وإنما ذهبت لترقد في قاع البحر، بأسرارها وخفاياها.

إنّ الوعي الروسي لكل الأساليب الخبيثة التي ينتهجها الغرب، قد أفسد عليهم التفرد بالمنطقة، وإن سعيهم المستميت إلى تحطيم الدول العربية بمعاونة عربية، إنما خدمة جليلة لصالح بقاء دولة إسرائيل ومنع زوالها، وإنّ هذا المخطط لو نجح سيُبعد روسيا والصين عن المنطقة حقبا زمنية بعيدة، وقد لا يكون العرب مدركين أن الروس واعين تماماً لهذه الأساليب، فربما خدعهم تعاملهم مع العرب، وظنوا أن الكل كذلك، ولكن الوقوف القوي لروسيا وإيران وكذلك الصين، قد ساعد القيادة السورية على الصمود ما يقارب خمس سنوات، وهي تخوض حرباً تشارك فيها الكثير من الدول بطرق مختلفة، وذلك بإصرار منقطع النظير، وإن الفوضى "اللا خلاقة" التي كانت ترفع بيرقها "كونداليزا رايس" تهدف إلى تدمير محور المقاومة، هذا المحور الذي ظل يزعج دولة إسرائيل على الدوام، وتلك الدول كانت معروفة بخطرها على إسرائيل، وهي العراق وسوريا والمقاومة الفلسطينية واللبنانية، وذلك بعد إسقاط مصر من القائمة باتفاقية السلام الخادع مع إسرائيل.

إذن ما كان لسوريا لتصمد كل هذه السنوات، لو لا توافر عوامل القوة الموازية للقوة الهاجمة بضراوة، وقد أيّد هذا الصمود وجود عوامل مهمة كالجيش السوري القوي، وقيادة سورية قوية لم تهزّها بعض الخيانات من هنا وهناك، مع تصادف وجود رئيس قوي لروسيا، وهي دولة عظمى عُرفت بقوتها العسكرية، وقد آلت على نفسها إلاّ أن تصنِّع السلاح المتقدم بفارق كبير عن العدو، وروسيا أصبحت الأكثر إقداماً وحضوراً من الصين، برغم أن الدولتين هما اللتان تمسكان اليوم بلجام الغرب الجامح على صهوة تأريخ - لا شك - أصبح في حكم البائد، يضاف إليهما دولة إيران الصاعدة بقوة على الساحة الدولية، ومن وراء هذه الدول مجموعة (البريكس) والتي قد تصبح عن قريب نظيرا قويا للغرب، وربما وريثا شرعيا له في إدارة العالم، وذلك بعدما ملّت الدول من الهيمنة غير العادلة للدول الكبرى، الدائرة في فلك أمريكا، حيث تُقيّم العدالة بالمال والمصالح، لا بالحق والقيم الإنسانية.

لقد صَالَ وجَالَ الرئيس الروسي صولة الأسد في الأمم المُتحدة، وأظهر استخفافاً بدُعاة الديموقراطية الكاذبة، وطرح سؤلاً على المرجفين في الأرض، وهزّ كتفيه ساخراً من مزاعمهم بتوزيع الحقوق على النّاس، فقال لهما ما علمت أنكما سوريان حتى تقررا شيئاً في الشأن الداخلي لسوريا، والحقيقية هما تاجران خسِرا الصفقة التي قبضا ثمنها نقداً، وكان الربح مضاعفاً، ولكنهما قد يكتفيان بالربح المادي وحده دون الهدف الكبير، وهو شتات سوريا وتقسيمها، وقد يكون هنا الفصل الأخير لمسرحية استمرت طويلاً، لأنّ السقوط يأتي مرة واحدة، وذلك على عكس البناء الذي يسير بالتدرج.

إنّ الظلم الذي يعم البلاد الفقيرة، مرده النفاق السياسي، وليس له علاقة بالقيم الإنسانية مطلقاً، وإلا كان الأجدر بالأموال العربية التي أُنفقت على تدمير الدول العربية، بدءاً بالصومال وليس انتهاءً باليمن، لأن النهاية لا تزال غير واضحة إلى أين تتجه، فقد ظن الحكام أن تلك الأموال ملكهم الخاص، واستخدموها في قهر من لا يقهر نفسه تلقائياً لهم، وهذه الأموال أودعها الله بأيدي الناس، لاستخدامها في ما يرضي الله، ولو فعلوا ذلك ما ظل محتاج من العرب على وجه الأرض، ولكن ابتلاهم بها وهيأ لهم من يزعم أنه شيخ دين وفتية، ولكن معظمهم أظهر أنه شيخ فرية ودم، حتى استعاذ الشيطان من بلاغتهم وجرأتهم على الله، وقد قال تعالى في مثل هؤلاء:{قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً} مريم "75" لقد بلغ الشُّر مبلغاً كبيراً، وهكذا كان الوضع في أوروبا قبل ظهور ثورات التنوير، فعسى بعد هذا العسر الشديد يسراً كبيراً، يحوِّل العالم العربي والإسلامي إلى عالم يسوده الحب والسلام والوئام، إنّه سميع مجيب الدعاء.

safeway-78@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك