مسعود أحمد بيت سعيد
يُعد العدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، واستهداف قادتها العسكريين، وعلمائها، ومنشآتها، انتهاكًا سافرًا لسيادتها الوطنية، وتعديًا صارخًا على الأعراف والقوانين الدولية.
ومن البديهي أن من حق إيران المشروع، بل من واجبها، أن تدافع عن نفسها بكل الوسائل المتاحة. وفي هذا السياق، تتحمل إسرائيل المسؤولية الأولى عن العواقب المترتبة على سياساتها العدوانية، واستهتارها بما يسمى بالقانون الدولي. وينبغي أن يكون هذا الجانب محور الإدانة الأساسية لهذا الكيان المصطنع، الذي يجب التعامل معه كما هو، لا كما يراد له أن يصور؛ فهو، عمليًا، يمارس دوره بوصفه أداة في خدمة الإمبريالية العالمية، ولا سيما الأمريكية.
والاعتراف بهذه الحقيقة يعد خطوة ضرورية لفهم طبيعته الفاشية وسبل مواجهته، سواء على الصعيد العسكري، أو في المجال السردي، والتاريخي، والثقافي، والإعلامي، والسياسي. ومن أبرز وجوه المعركة، فضح الزيف الذي تسعى المنظومة الغربية إلى ترويجه، عبر محاولة فصل الكيان الصهيوني عن وظيفته الاستعمارية، وتقديمه ككيان طبيعي. ويبدو هذا الأمر، في نظرهم، أكثر سهولة في هذا العصر الذي تتراجع فيه أشكال الاستعمار التقليدية لصالح استعمار مقنع، بأدوات اقتصادية وسياسية. ورغم وضوح هذه الحقيقة، فإنها تحجب عن الرأي العام بفعل هيمنة الإعلام الاحتكاري، الخاضع بالكامل لمصالح الشركات الرأسمالية.
وربما يعد أعظم إنجازات الإمبريالية هو قدرتها على تقديم إسرائيل ككيان مستقل، ودمجه في المنظومة الإقليمية، في حين أن دوره الفعلي، سابقًا وحاضرًا، هو حماية المصالح الرأسمالية العالمية. ولعل الخطورة الأكبر تكمن في أنَّ هذا الكيان الاستيطاني العنصري يمارس مهامه الوظيفية من داخل المؤسسات الدولية نفسها، في سابقة تاريخية فريدة؛ حيث يحتل كيان استعماري مقنع موقعًا قانونيًا في النظام الدولي. وستبقى أي محاولة لمنحه شرعية طبيعية جهدًا عبثيًا، لأنَّ وجوده غير قابل للاستمرار دون دعم خارجي. وإذا ما تعرض هذا الكيان لخطر وجودي حقيقي، فإنَّ بنيته الاجتماعية ستتفكك، ولن تستطيع الصمود كدرع بشري للمصالح الغربية؛ بل ستظهر تناقضاته الداخلية التي لن تتمكن الدوائر الإمبريالية من احتوائها؛ فقد أبدت بعض هذه الدوائر، في فترات سابقة، استعدادًا للتخلي عنه.
أما التصعيد العسكري الأخير، فيعود جزئيًا إلى أزمات إسرائيل الداخلية، خصوصًا تلك التي يواجهها رئيس حكومتها، الذي يرى في استمرار التوتر وسيلة لتأمين مستقبله السياسي، واستعادة ثقة الغرب بوظيفته ودوره المأجور. وفي هذا الإطار، يأتي عدوانه على إيران كجزء من محاولته لتأكيد دوره الإقليمي. لكن يبقى السؤال، هل سينجح في استعادة هذه الثقة؟ الإجابة ستتضح في ضوء الخطوات الإيرانية، التي اتسمت سابقًا بالحسابات الدقيقة.
ورغم بعض الملاحظات، لم يكن من المنطقي أن تخوض إيران مواجهة مباشرة عقب "طوفان الأقصى"، لعدة أسباب؛ منها: أن المواجهة مع إسرائيل تعني تلقائيًا مواجهة شاملة مع المنظومة الإمبريالية الغربية، وهو ما يتطلب استعدادات ومعطيات مختلفة. خلافًا لمن يعتقد خطأً أن عدم انخراط إيران عسكريًا يُدينها، بينما لا يُحرجه تواطؤه المُخجِل مع إسرائيل. ومع ذلك، قدمت إيران دعمًا ملموسًا لفصائل المقاومة، ضمن حدود إمكاناتها، وبما يتماشى مع رؤيتها وتقديراتها الاستراتيجية. غير أن البعض أساؤوا قراءة هذا الموقف، واعتبروه ضمنيًا تراجعًا عن التزاماتها تجاه محور المقاومة، كما رأوا في العملية الإجرامية التي استهدفت قيادات حزب الله، وعلى رأسهم سماحة السيد حسن نصر الله، اختبارًا حاسمًا للرد الإيراني. وقد غابت عن هذه التقديرات حقائق مُهمة، وهي أن إيران، رغم ما تمتلكه من قوة، تبقى دولة نامية تواجه تكتلًا إمبرياليًا ضخمًا، ولا يُمكنها المجازفة بكل شيء. ومن ناحية أخرى، فإن مواجهة الهيمنة الإمبريالية والصهيونية على الصعيد الإقليمي مسؤولية جماعية، لا تقع على عاتق إيران وحدها. وتدرك إيران تمامًا أن المواجهة ليست مع إسرائيل فقط، بل مع الغرب بأسره؛ ولذلك فهي تُدير صراعها بحذرٍ ووعيٍ تاريخيٍ. ورغم ما أصاب تحالفاتها الإقليمية من ضعف، لا تزال تحافظ على موقف ثابت ومعاد للإمبريالية والصهيونية.
ولا شك أنَّ الكيان الصهيوني وداعميه يرون أن الوقت مناسباً ليس فقط لفرض تنازلات في الملف النووي؛ بل لإسقاط النظام الإيراني. وفي هذا السياق، فإنَّ المواجهة المقبلة ستكون صعبة، ومن المرجح أن تتسع، إلّا أن إيران أثبتت حتى الآن قدرة فائقة على احتواء الضربة الأولى، وتجاوز حالة الإرباك، واستعادة زمام المبادرة. كما تمتلك من المقومات ما يؤهلها لحرب طويلة النفس، تحقق فيها نصرًا مؤكدًا. ولا يغيب عن الأذهان أن الكيان الصهيوني وحلفاءه يُعدون أنفسهم لعملية نوعية، ولن يردعهم عنها سوى رد مُزلزل يفقدهم التوازن، ويُغيِّر قواعد الاشتباك بشكل ملموس؛ فالتجارب التاريخية تؤكد أن إرادة الشعوب أقوى من إرادة المستعمرين، وترساناتهم النووية والتكنولوجية. وهذا ما سيحدد شكل المواجهة المقبلة، وأساليبها، وحدودها.