حمود بن سعيد البطاشي
العمل ليس مجرد واجبٍ وظيفيّ، بل هو بيئة تُبنى فيها الثقة، وتُزرع فيها القيم، وتنمو بها القدرات، إلّا أن هذه البيئة، التي يُفترض أن تكون داعمة ومحفّزة، قد تتحوّل في لحظة إلى ساحة من التوتر والقلق والخوف، عندما يكون على رأسها مدير "سام".
المدير السام ليس دائمًا من يصرخ أو يوبِّخ؛ بل قد يكون ذلك الذي يفتقر لأبسط قواعد الأخلاق المهنية: كالنزاهة، والصدق، والاحترام. المدير الذي يفتقد المصداقية ويتعامل بازدواجية في القرارات، هو أول من يهدم الثقة التي بُنيت سنوات. والمدير الذي، يتحدث عن موظف في غيابه، لا يدمر صورة ذلك الموظف فقط، بل . يزرع الشك والخوف في نفوس بقية الفريق، ويجعلهم في حالة دفاع دائم عن النفس.
في بيئة العمل الصحية، يجب أن يشعر الموظف بالأمان، لا بالخوف من أن يكون موضوعًا في حديث المدير في الغياب. يجب أن يعرف أن جهده مقدر، وأن رأيه مسموع، لا أن يُقصى لصالح من يتملق أو ينقل الكلام. المدير السام يُفضّل الولاء الشخصي على الكفاءة، ويعتمد على "القرب" بدلًا من "الإنجاز"، فيُعلي من شأن من يوافقه، ويُقصي من يُخالفه، حتى وإن كان صاحب رأي سديد أو عمل مميز.
من صفات المدير السام أيضًا أنه لا يعترف بالخطأ، بل يُلقي باللوم على الآخرين. لا يُشجّع على المبادرة، بل يخوّن كل من يفكر خارج الصندوق. هذا المدير لا يقود الفريق، بل يستهلكه نفسيًا، ويخلق مناخًا ملوّثًا بالإحباط والقلق.
البيئة السامة لا تأتي من فراغ، بل من قمة الهرم الإداري. عندما يفتقد القائد القيم، تصبح المؤسسة غابة، يُكافأ فيها المتملق، ويُعاقب المخلص. وينتج عنها هروب الكفاءات، وكثرة الاستقالات، وتراجع الأداء، حتى وإن كانت الموارد متوفرة.
إن المؤسسات الناجحة لا تُبنى فقط على الأنظمة، بل على القيادة الواعية. والمدير الناجح هو من يُقدّر الموظفين، يتحدث بصراحة، يتصرف بعدالة، ولا يجعل من مكتبه مكانًا للهمس والكلام في الغياب. هو من يُلهم، لا من يُخيف.
ختامًا.. بيئة العمل السامة لا تحتاج لإصلاح الموظفين، بل لإصلاح المديرين؛ لأن الخلل في الرأس يصيب الجسد بأكمله. فإذا أردنا بيئة عمل ناجحة، علينا أن نبدأ بمن يقودها.