د. سيف بن سالم المعمري
فقدت الساحة الثقافية العربية والخليجية الإعلامي الكويتي القدير فخري عودة بدر غانم التميمي بعد حياة حافلة بالعطاء والوفاء امتدت لسبعة عقود ونصف العقد.
وُلِدَ التميمي بالكويت في الرابع من يناير عام 1950م ووافاه الأجل المحتوم في السادس من مايو 2025، وترك سيرته الإنسانية النبيلة التي تجسدت فيها أبلغ معاني الوفاء لزوجته التي توفيت في عام 2003م، كما ساهم في إثراء المكتبة العربية والخليجية بأعماله الثقافية والإعلامية المتعددة، منها في مجالات الشعر والنثر والدراما والفنون المسرحية، وتقلد عدداً من المناصب الإدارية في وزارة الإعلام الكويتية قبل أن يصبح مستشارًا في مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربية، منذ عام 2005م، ومن أبرز أعماله الخالدة، كتابته للمسلسل الكرتوني "عدنان ولينا" والأداء الصوتي لشخصية "علام" في نفس المسلسل.
عُرف عن التميمي وفاءه لزوجته "ملك" التي أصيبت بالشلل بسبب حادث السير الأليم، الذي تعرضت له-رحمها الله تعالى- في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وظل ذاكرا مناقبها وكل اللحظات السعيدة التي رافقته فيها، وتمسك بالوفاء لها حتى بعد رحيلها.
وعلاقتي بالتميمي بدأت في الخامس عشر من يوليو من عام 2009؛ حيث التقيت به- لأول مرة- في مطار الملك خالد الدولي بالرياض في طريقنا للمشاركة بقافلة الإعلام الخليجي التي نظمتها الهيئة العامة للسياحة والآثار آنذاك بالمملكة العربية السعودية خلال الفترة (15-31 يوليو 2009) بمشاركة 60 إعلاميًا يمثلون مختلف وسائل الإعلام الخليجية.
وظلت العلاقة بيننا متواصلة خلال ست عشرة سنة الماضية عبر وسائل الاتصال الحديثة، تارة بالمهاتفة، وتارة أخرى بالرسائل النصية، والواتساب في المناسبات الدينية والوطنية، وكانت آخر الرسائل النوعية التي خصني بها هي تهنئته القلبية الصادقة لي بمناسبة التخرج والحصول على درجة الدكتوراه، وذلك من خلال نشره لمقطع فيديو في حسابه الشخصي على الانستجرام، وأرسله لي عبر الواتساب، بتاريخ السادس من ديسمبر 2024، قال فيها- رحمه الله تعالى: "أهنئ صديقي العزيز من سلطنة عُمان الشقيقة، دكتور سيف بن سالم بن سيف المعمري على حصوله على شهادة الدكتوراه بالفلسفة، وأقوله دكتور: أنت نموذج للشاب المكافح الطموح، الساعي دوماً لما هو أفضل، أحنا نفتخر فيك، افتخارك بما حصلت عليه، ودائماً ندعي لك بكل ما فيه الخير، عسى الله يوفقك، ويُحقق طموحاتك، ولله الحمد والشكر".
وفي العام 2020، أرسل لي تعازيه القلبية ومواساته الصادقة لي، وللشعب العُماني في فقيد الوطن والأمة السلطان قابوس بن سعيد-طيب الله ثراه-، وقد كان دائم التقدير والثناء على جلالته، وإجلاله لما قدمه لعُمان وشعبها وللعالم، وقد أتيح له التعبير عن حزنه العميق لوفاة السلطان قابوس من خلال الاتصال الهاتفي في البرنامج الذي كانت تبثه إذاعة الوصال تزامناً مع فترة الحداد على فقيد عُمان الخالد، وذلك مع الزميل القدير محمد العلوي.
لقد ظل المستشار فخري عودة نهرا دفاقا بالعطاء والوفاء، ولم يثنه سنه عن التفاعل والمشاركة في خدمة وطنه وأمته، فبعد السنوات الطويلة التي قضاها متنقلا بين الأعمال الكتابية والفنية، ومثريًا المكتبة العربية والخليجية بخبراته الثقافية والإعلامية، تعهد محبيه وجمهوره بالتواصل الدائم، وظل موثقا ليومياته يبث من خلالها رسائله النبيلة والتي ينشر فيها فضائل إنسانية خيرة ومنها حب الخير للآخرين والشكر الدائم لنعم الله على عباده، ولطفه بكل من حوله من الناس، دون التقليل من أي شخص، فكان يتعامل مع عمال منزله كأبنائه، بل تعدى لطفه الإنسان إلى اهتمامه وعنايته وإطعامه للحيوانات الأليفة في منزله.
وكانت آخر رسائله النبيلة التي نشرها في حسابه بالانستجرام بتاريخ: الثامن من يناير 2025، وقال فيها: "ثق تمامًا أن ألمك من كلام الناس، إذا شعرت إنك مظلوم، أهون من عذاب ضميرك- إذا كان حيًا- إذا كنت ظالمًا، فدائمًا، فكر إنك ما تكون الظالم، دائمًا، قُل الله يجعلني مظلومًا أحسن مما أكون ظالمًا أو مخطئًا بحق غيري- وإن شاء الله- والله يهدي الجميع، لا تكون ظالمًا ولا مظلومًا، لأن هداية الناس لما فيه الصلاح والإصلاح نعمة من رب العالمين، له الحمد والشكر بكل الأحوال".
رحل فخري عودة التميمي، وترك أثره الخالد في مكتبته المرئية في حسابه على الانستجرام وشبكات التواصل الاجتماعي الأخرى، وقد تجاوز محتواه المرئي أكثر من 13 ألف مادة قيمة، كلها شاهدة عن نبله وعطائه ووفائه، وفيها الكثير من الرسائل النبيلة والإنسانية.
لقد ترك رحيل (العم أبو علي)- كما كان يحلو لي مخاطبته- غصة في قلوبنا، لكنَّ عزاءنا الوحيد، هو التسليم المطلق لإرادة الله في خلقه، وإننا جميعًا إليه راجعون، مبتهلين للعلي القدير له الرحمة والمغفرة، ولأبنائه وأسرته ولجميع محبيه الصبر والسلوان، وأن يجزيه الله خير الجزاء عما قدمه لوطنه الكويت ولأمتيه العربية والإسلامية.
وداعًا.. فخري عودة.. أيقونة العطاء والوفاء.