إسماعيل بن شهاب البلوشي
حين يُحكم على الإنسان بالتوقيف على خلفية اتهام بجريمة أو جنحة، فإنه لا يُسلب إنسانيته، ولا تنقطع وشائج المودة التي تربطه بأسرته؛ فالعقوبة أُقرت لردع الجُرم، لا لطمس ما تبقى من إنسانية الموقوف.
والوقف في حد ذاته يمثل العلاقة الموزونة بين رد الحقوق والعقاب الهادف؛ لكي يكون للحضارة وحفظ الحقوق مكانًا يوصف بالتحضُّر. ومن بين أهم حقوق الإنسان، حقه في اللقاء بأهله، وخصوصًا بزوجته، ضمن إطارٍ يحفظ الكرامة ويصون العلاقات الأسرية من التلاشي، تحت وطأة الزمن والجدران الصامتة، وكذلك بعيدًا عن الحرمان من الإنجاب الذي هو أعظم ما يكون.
في كثير من الدول، تُمارَس الزيارة الزوجية عبر نافذة زجاجية، يتحدث فيها الموقوف مع زوجته عبر ميكروفون مليء بالمشاعر في أصوات متقطعة، وتغيب حرارة اللقاء خلف زجاج بارد. هذه الطريقة لا تراعي البعد النفسي والاجتماعي؛ بل تزيد من آلام الفراق، وتعزز إحساس العزلة والانقطاع، وكأن الموقوف يُحكم عليه بحرمان مزدوج: حرمان من الحرية، وحرمان من دفء الأسرة وكذلك حاجة الشريك الشرعية غير الموقوف التي حتمًا علينا مراجعتها واحتساب الكثير من الجوانب الإنسانية المسايرة.
في المقابل، تبنّت العديد من الدول أنظمة أكثر إنسانية تحت مسمى "الزيارة الخاصة"، والتي تتيح للزوجين قضاء وقت معقول في بيئة تحترم الخصوصية، ضمن ضوابط واضحة لا تتعارض مع الجوانب الأمنية؛ بل تحقق التوازن بين مقتضيات العقوبة وحاجات الإنسان الأساسية. وهذه التجربة أثبتت نجاحها في تقليل الآثار النفسية السلبية للتوقيف، كما ساهمت في الحفاظ على العلاقات الأسرية؛ ما ينعكس إيجابًا على تأهيل الموقوف وإعادة إدماجه في المجتمع بعد انتهاء التوقيف.
ليس المقصود هنا تجاهل الاعتبارات الأمنية، لكن الحكمة تكمن في البحث عن بدائل أكثر مرونة، تُحقق الغاية العقابية دون أن تُهدم الأسر؛ فالتوقيف ليس إعدامًا للعلاقات الإنسانية؛ بل هو محطة ينبغي أن تراعي الأبعاد النفسية والاجتماعية للنزلاء وأسرهم.
إنَّ معالجة هذه المسألة ليست رفاهية ولا ترفًا قانونيًا؛ بل هي ضرورة مُلحَّة لحماية النسيج الاجتماعي، وإعلاء قيم العدالة برؤية إنسانية متقدمة. وإذا كنا نؤمن بأن العقوبة تهدف إلى الإصلاح، فإن إصلاح الفرد لا يكون بعزله عن أسرته حتى في أبسط حقوقه، بل بتمكينه من الإحساس بأنه لا يزال جزءًا من هذا العالم، وأن العقوبة لا تعني القطيعة المطلقة مع الحياة.
وكذلك فإن للتطور الإلكتروني على مستوى العالم مكانًا في مثل هذه الظروف؛ حيث إنه يمكن النظر وفي حالات مُنتقاة السماح بالذهاب الى البيت تحت المراقبة الصارمة لتحركاته، وبذلك يمكن أن نستفيد إيجابًا من هذا المضمار.
لعلّ هذا الصوت يصل إلى من يملكون القرار، ليعيدوا النظر في هذه المسألة، ويطرحوا مقاربة أكثر عدالة وإنسانية، تُوازِن بين هيبة القانون وحقوق الإنسان، وتجعل أماكن التوقيف محطات إصلاح حقيقي، لا ساحات عقابٍ مُطلق.