من الذي اغتال حسن نصر الله؟!

 

عائشة السريحية

هزَّ خبر اغتيال السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني، قلوبَ كل المدافعين عن فلسطين وغزة، لم يكن استشهاده أمرًا اعتياديًا، فقد تزامن مع خطاب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي هدَّد وتوعَّد دول الشرق الأوسط، مع مُغازلة لبعض الدول التي رفع لها "لوحة النعمة" التي اصطبغت بها بعض الدول العربية باللون الأخضر، ثم لوحة اللعنة التي صبغها باللون الأسود وأسماها "اللوحة الملعونة"، وأمسك في يد عصا والأخرى جزرة، مُهدِّدًا الشرق الأوسط برمته، رغم خروج مُعظم من كان في القاعة، وحتى قبل أن يبدأ حديثه، التوقيت كان مُلفتًا جدًا.

وبالرجوع لبداية سلسلة الاغتيالات التي بدأت في لبنان مؤخرًا، تتبادر للذهن مجموعة من الأسئلة، التي قد نجد لها جواباً وأخرى تظل مُعلقة.

بعد عام كامل من المناوشات، لم يتجرأ الكيان المحتل على ما قام به إلّا في فترة وجيزة وبوتيرة متسارعة. وأشار محللون سياسيون إلى وجود اختراقات وعملاء يرصدون تحركات القادة في الصف الأول لأسيادهم الصهاينة، وبعضهم أشار لوجود تخابر بين عناصر داخل لبنان لديها حسابات مع حزب الله.

لكن السؤال الأهم: لماذا في هذه الفترة الوجيزة وبعد عام كامل؟

الجميع يعرف أن نتنياهو لا يملك الصبر، وبدأ بفقدان شعبيته وبات موقفه سيئًا جدًا، فهل قررت أمريكا إنقاذه في اللحظات الأخيرة؟

والملاحظ إنكار مسؤولي البيت الأبيض درايتهم وعلمهم بما تقوم به دولة الاحتلال، لتوحي للعالم بمكر وخبث، أن دولة الاحتلال قوية ولديها القدرة على اتخاذ القرار، وهذا بالتأكيد غير حقيقي. لذلك سارعت الولايات المتحدة بمنحه ورقة "الجوكر" ومدهه بكافة المعلومات الاستخباراتية اللازمة لإنقاذ فشلهم الذريع في كل ما قاموا به.

ومن المهم أن نأخذ في الاعتبار أن محور المقاومة يتمتع بالقوة النفسية لمكوِّناته، المبنية على أساس العقيدة القتالية التي تتمثل في النصر أو الشهادة، بينما الاحتلال يؤمن بالقوة المادية دون القوة النفسية، معززين بالدعم غير المشروط من الولايات المتحدة، وهذه الأخيرة تتمتع بالتقدم التكنولوجي؛ مما قد يضع سيناريو آخرَ للمشهد؛ إذ باستطاعتها استخدام التقنية الحديثة التي يحتكرونها في الولايات المتحدة الأمريكية في التصنيع العسكري؛ فمراقبة الأرض والأماكن من السماء وعلى مدار الساعة، و"الميني درون" التي شاهدنا بعض الاستعراضات في المنصات الإعلامية لقدرتها على القتل والاغتيال عن طريق تتبع بصمة الصوت والوجه، وكذلك زرع الأجهزة المخفية في المناطق التي يحاولون كشفها، ناهيك عن الأجهزة الإلكترونية والكهربائية التي قد تبدأ من وسائل الاتصال إلى المركبات إلى الإضاءات المنزلية، إلى كل ما يكون جهازًا أو أداة كهربائية أو إلكترونية، هذا ما جعل الصهاينة كالطفل الشقي الغبي الذي يضرب قرناءه ويختبئ خلف أمه.

وقد سمعنا عدة تصريحات بأن اختراق توريد أجهزة الاتصالات اللاسلكية كان قد بدأ منذ خمسة عشر عامًا.

التقنية الحديثة التي تتمكن من الاختراق التجسسي لا يُمكن بحالٍ أن يقوم بها الاحتلال الصهيوني، لكنها عمليات تجسسية أمريكية واضحة، وبمتابعة للنسق الصهيوني في تخطيطه نستطيع معرفة أن ما قامت به في قصف الضاحية الجنوبية لاغتيال نصر الله ليس إلا قرارا ومخططا أمريكيا، وتنفيذا إسرائيليا، توقيته وبصمته، وحتى نوعية الصواريخ التي تزن ألفي طن، وهذه القنابل التي تملكها أمريكا تشير إلى نفس الموضع.

لكن ما يهم حقًا، هو أنَّ حزب الله لا يتمثل في شخص واحد حتى وإن كانت الخسارة عظيمة، فجبر الكسر يحيله لحال أقوى مما كان عليه، ومن المتوقع أن يستوعب حزب الله ما حدث ويبدأ في التنظيف من الداخل، ويُعيد ترتيب نفسه من الداخل، خصوصًا أنه اكتسب شعبية عربية من مختلف الطوائف الإسلامية؛ بل وكسرت الدعايات التي كانت تنشر حول مصداقية حزب الله في مساندة القضية الفلسطينية، واتهامه بأنَّ ما يفعله مجرد مسرحيات، متجاهلين أن حزب الله كان يحترم قواعد الاشتباك ولم يُصعِّد إلّا بعد أن قام الصهاينة بالاعتداء على العمق اللبناني خارج قواعد الاشتباك.

رغم هول الصدمة التي تلقاها الحزب، وصبر إيران الاستراتيجي التي تحاول أن تتجنب الدخول بصراع مباشر مع الصهاينة لتفويت الفرصة على أمريكا وأعدائها لتخريب مشروعها النووي، إلا أن العقيدة القتالية لدى المقاوم العربي لا تعتمد على النصر فقط، بل هي مبدأ انتقال الراية من شهيد لآخر.

لذلك.. فالبعد النفسي والعقدي رغم التقدم العسكري والتكنولوجي قد يحقق معادلة صعبة الفهم لدى العدو الصهيوني، ومتوقع أن تستمر الحرب حتى يعي المجنون نتنياهو- الذي يذكرنا بنيرون الذي حرق روما كي يغني- أن النشوة التي تعتريه بعد ارتكاب جرائم الحرب، ما هي إلّا مؤقتة، وتزيد من الالتفاف العربي والشعبي حول محور المقاومة، وهو ما زال للحظة مندفعًا نحو القتل كي يخرج بأكبر حصيلة من حصد الرؤوس التي تعاديه.

خريطة الأحداث ليست متوقعة، ولا شيء يُمكن التكهن به، فقد تدخل أطراف أخرى للساحة وتتغير قواعد اللعبة!