عائشة السريحية
انفجرت أخبار الهجوم الإرهابي الصهيوأمريكي في لبنان، متزامنة مع انفجارات أجهزة النداء "البيجر"، وتلتها في اليوم الثاني انفجارات أقل حدة في الأجهزة اللاسلكية المعروفة باسم "توكي ووكي"، وبنفس السياق والخط الزمني يبدأ الكيان المحتل المسمى إسرائيل باجتماعاته التي تعقد في سراديب تحت الأرض، لنقل الثقل العسكري من غزة نحو الشمال.
كل هذا يكشف الغطاء عن الخطة العسكرية التي تحاول أمريكا وإسرائيل تنفيذها في الوقت الحالي؛ حيث إن صدمة انفجار قليلة الكلفة أدت لنتائج تعتبرها هذه القوى مرضية جدًا، وبالتالي فإنها تظن أنه التوقيت المناسب للهجوم على لبنان مستهدفة حزب الله، كما صرح مسؤول البيت الأبيض الأمريكي بأن لإسرائيل الحق في الهجوم على جنوب لبنان.
الاحتلال في وضع حرج جدًا، وخائف جدًا، لكنه دخل مقامرة غير محسوبة النتائج، إلّا أنها نجحت نوعًا ما حتى الآن، فقد كانت مقامرته بأن يضرب أهدافًا لمحاور المقاومة ولكنه ليس وحده من يفعل ذلك، فأمريكا تشكل له الدرع الدفاعي واللوجستي والدعم العسكري المتواصل، ولو حاولت الظهور بمظهر الوسيط السلمي، ودول أخرى تسعى للقضاء على محور المقاومة لأسباب سياسية عديدة ومختلفة. ولأن الوضع بات مُعقدًا جدًا وخصوصًا بعد أن وصل الصاروخ اليمني لعمق تل أبيب، وصواريخ حزب الله لشمال فلسطين المحتلة، رغم الاختراق الأمني والهجمة السيبرانية الدموية التي تعرض لها، إلّا أن الحزب ما زال يمتلك ترسانة عسكرية بنيت بشكل محكم لولا بعض العملاء في الداخل والصراع معه كحزب في المنطقة الإقليمية، لكن هذا لا يعني أنه لم يعد يمتلك المفاجآت التي قد تقلب الطاولة.
ويؤخذ في الاعتبار، تردُّد معظم الدول العربية في اتخاذ موقف صارم مما يحدث من مذابح، وهذا قد منح الاحتلال منطقة راحة، وسكوت إيران كل هذه المدة أعطاه جرعة أمل أنه ما زال قادرًا على استخدام قوة الردع السابقة، كما إن تواطؤ بعض الدول الغربية، منح الاحتلال الجرأة، بينما هو يعاني من الاستنزاف على جميع الأصعدة الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
الاحتلال الآن مثل نمر جريح يتلوّى في سكرات موته، لذا ينفذ سلسلة من الاغتيالات بكل الطرق القذرة ليجُر أمريكا ويورِّط دول المنطقة في حرب مفتوحة ليخفف عنه وطأة الانهيار الوشيك.
الهجوم الذي حدث في لبنان سواء استهدف عناصر تنتمي لحزب الله، أو أفرادًا من الحاضنة الشعبية، أو المدنيين ممن توجب عليهم طبيعة عملهم استخدام أجهزة الاتصالات اللاسلكية من بيجر أو توكي ووكي كما هو متعارف عليه، لا يختلف عليه أحد أنه إرهابٌ وعملية إرهابية أقلقت الأمن والسكينة بطريقة قذرة ضمن سلسلة الاغتيالات التي وبلا شك تنفذها عصابات المافيا والقتلة المأجورين.
لكن الشحنة الأخيرة والتي كانت ملغمة ليست من الصعوبة بمكان أن يتم تتبع مسار تحركها، بدءًا من المصنع للتخزين للنقل للاستلام.
ولطالما وخط الهجوم واضح، فإنه من المنطقي التخلص من جميع الأجهزة التي تم شراؤها حديثًا، بعد أحداث طوفان الأقصى حتى وإن بدت غير ذات ضرر كالتلفزيون أو أجهزة الحاسوب المحمولة، أو الكاميرات، أو أي شيء إلكتروني، قد يكون مصدره شراء بكميات دفعة واحدة.
وربما قد يكون هذا واقع الصدمة، الذي يأتي بعده الهجوم البري والجوي، إلّا أن خطتهم لم تكن كاملة الأركان، فلو كانت سلسلة الانفجارات التي حدثت تلتها مباشرة عملياته العسكرية لكان موقف لبنان والمقاومة فيها صعب للغاية، إلا أنهم استطاعوا امتصاص الصدمة وماعليهم سوى الاستعداد وكشف بعض الأوراق التي يملكونها، خصوصا بعد فقدان الكيان الإسرائيلي فرصة لن تتكرر، ومنحوا المقاومة بكل محاورها فكرا دفاعيا جديدا، ومازالت الحرب في جولاتها المتصاعدة.
ورغم فاجعة الأمر، إلا أنها تعطي شرعية لرد محور المقاومة بشكل أوسع داخل العمق الإسرائيلي، فقد بلغ السيل الزبى، رغم علمهم الأكيد إصرار الكيان لتصعيد الوضع للهروب من حمله منفردين وإدخال الولايات المتحدة وحلفاءها وجرهم جرا نحو خوض حرب إقليمية لا يُعرف لها نهاية واضحة.
ومما يدعو للاستغراب، ما أعلن عنه مؤخرا إيلون ماسك، بتوفر ستارلينك في اليمن، فهل هناك أمر آخر يتعلق بهجمات سيبرانية تحتاج لستارلينك؟
حيث يُتداول النشطاء على الساحة الإعلامية، أن الهدف جمع معلومات كافية لصالح الكيان، ومنه تنفيذ اختراق لصالح الكيان، خصوصا بعد أن خسرت المخابرات الأمريكية "سي آي إيه" مصدرها الاستخباراتي عن طريق مركزها في السفارة في صنعاء، حسب ما ورد على لسان الرئيس السابق على عبدالله صالح في مقابلة تلفزيونية مع الإعلامي أحمد منصور؛ حيث أكد أن دور جهاز الاستخبارات الأمريكية كان يتم من خلال السفارة، وأن الحكومة، آنذاك، كانت على علم واطلاع بأنشطة جهاز المخابرات، حسب تعبيره!
وقد يعد وجود بوابة شبكية قادمة من السماء بمثابة البديل الأنسب لخرق المجتمع اليمني الذي عانى سنوات طويلة من الحصار برًا وبحرًا وجوًا، مما جعله متقوقعًا بعيدًا عن الرقابة الأمريكية وبشكل أثار حفيظة العالم من حوله، خصوصًا بعد وصول مُسيَّرة يافا وصاروخ فلسطين الباليستي لعمق الكيان، وإسقاط طائرات إم كيو الأمريكية، وشح المعلومات لدى الولايات المتحدة عن مستوى التسليح العسكري لدى حكومة صنعاء.
إن كل ما حدث ويحدث لهو نداء واضح وصريح يدفع بكل الدول العربية نحو التصنيع الذاتي لأسلحتها مهما فشلت التجارب الأولية، ومهما كانت المدة.
ورغم أن ميلاد العالم الجديد وقواه الجديدة ما زال غضًا، ويحتاج لمزيد من الوقت، إلّا أننا في التوقيت المناسب للانعتاق من القيد الصهيو-أمريكي، والخروج من حالة الشرنقة وفتح مسارات لمعاهدات واتفاقيات جديدة.
وأخيرًا أقول إنه لطالما خبزنا من غيرنا، فلا يحق لنا السؤال عن نظافته؛ فالمستهلك ربما يحمل رصاصة موته في لقمته المستوردة.