عيسى الغساني
المجتمع المتماسك والمتكافل يشكل العمود الفقري للدولة الحديثة، فالدول التي استطاعت بناء وتأسيس مجتمع عضوي متماسك تربط أفراده مبادئ مشتركة تدور حولها كل الشبكات الاجتماعية التي وهي التي تشكل قوة المركز وهي القوة الفكرية التي يؤمن ويتعاون الجميع لتعزيز قوتها ومكانتها لكي تكون مركز الثقل للمجتمع العضوي المتماسك.
ونقيض المجتمع المتماسك هو المجتمع غير المترابط والذي لا يدور حول قوة مركزية واحدة بل عدة قوي متصارعة تدور حولها شبكات اجتماعية متضادة ومتنافرة وغير متصالحة تحركها تصورات وأوهام غير موجود او مختلقة. وكل هذه القوى لها قانونها الخاص الذي تسعي لتقديمة الى الواجهة على حساب القانون الذي يمثل الصالح العام.
هنا تنشأ وتبدء مرحلة تأكل كل مقومات النهوض لأي مجتمع إذ القاعدة للنهوض هي التماسك والتعاون، ومنتج الشبكات الاجتماعية المتضادة الصراع وليس التعاون، ويتصدر المشهد أفكار انتهازية وآنية وعلى الصعيد الخطاب اللغوي تحتفي المفردات ذات السمو الأخلاقي وتستبدل بمفردات هشة لا تشكل قيم الوعي السليم، ناهيك عن تدهور أدوات الأدب الرفيع من نثر وشعر ولغة ومفردات تواصل يومية وهذا هو ناقوس الخطر الذي بة تتراجع المجتمعات وتصبح فريسة واضحية علي هامش الرقي الإنساني عندما تستبدل لغة الآداب الرفيع بلغة ليس لها من التسامي إلا مخارج الأصوات وهذه حال أثنيا فالحرب البيلونسية انتجت نظاما اجتماعيا متناحرا وأصبحت الإلياذة والأوديسة وتجليات سقراط وأرسطو وزينون التي تداولتها كل الحضارات عاجزة عن إيقاف تدهور أثينا.
الحالة في الفقرة السابقة هي حالة العزلة والتي تعريفها ببساطة هي نشؤ شبكات اجتماعية بوعي وبدون وعي نتيجة شلل وعجز تطبيق وتأصيل قيم ومبادئ المجتمع المتماسك، هذه الشبكات الاجتماعية المنعزلة والمتفرقة تتأسس بناء على اهتمامات ضيقة أو أيدولوجيات محددة، وهذا يتنج تراجع التواصل بين أفراد المجتمع وزيادة التفرق والشك وعدم الثقة بين الأفراد نتيجة الجهل، والجهل يولد الخوف، إذ الإنسان عدو ما يجهل، ومن ثم ظهور شبكات الكراهية التي تنتشر مثل النار في الهشيم دون سبب سوي عدم الإدراك وعدم توافق الجميع حول منظومة قيم واحدة. وعدم التوفق يعني تأكل الثقة والذي يمهد للخلاف والنزاع بين الشبكات الاجتماعية المنعزلة والأخرى الوهمية التي تصطنع عبر وسائل التواصل الاجتماعي
وإن هناك شبكات ضارة، توجد شبكات اجتماعية صحية التي تتشكل من خلال مؤسسات المجتمع المدني سواء جمعيات ثقافية في مختلف مشارب الثقافة أو جمعيات علمية أو مهنية وتمكين هذه الشبكات لتكون قادرة على المشاركة والمساهمة في رسم وتأصيل القيم والمبادي المشتركة ووضع الأولويات حسب أهميتها في إطار توسيع دائرة صناعة القرار ليشمل كل فعاليات المجتمع الواعية والتي تستشعر احتياجات وضرورات التماسك الاجتماعي وجذب الجميع نحو القيم المشتركة ونحو المركز.
إن نتائج المجتمع المتماسك تتمثل في قلة الانحرافات والنزاعات، ومن ثم معالجة أي فجوة اجتماعية؛ سواء اقتصاديًا أو اجتماعيًا على وجه السرعة، ومعالجة العزلة الاجتماعية القسرية أو الاختيارية، ورفع مستوى الثقة بالمؤسسات، كل ما سبق تُجسِّده قوانين متزنة ومتجددة وفعّالة توجة نحو قيم التماسك.