خالد بن سعد الشنفري
لن نقول وداعًا "خريف ظفار 2024" إذ نحسبك ما زلت معنا؛ حيث تظل ظفار- فلكيًا- في موسم الخريف إلى نهايات سبتمبر، رغم أنَّ العام الدراسي يبدأ أول سبتمبر عادة، ما يعني إلزام العائلات والطلبة على العودة إلى ولاياتهم قبل بدء الدراسة، الأمر الذي يُؤثر سلبًا على الموسم السياحي.
فهل موعد بدء العام الدراسي مُنزّهٌ لا يُمس، أم يجب أن يكون قرارًا تحدده مصلحة المجتمع (بكل أطيافه ومشاربه وموارده)، لا سيما وأن الوزارة في إحدى السنوات أصدرت قرارًا لاحقًا بقرار تحديد موعد بدء العام الدراسي، يقضي بتمديد الإجازة الصيفية لطلبة المدارس في منطقة الشريط الجبلي لظفار (نصف عدد طلاب المُحافظة تقريبًا) إلى تاريخ 15 سبتمبر، ما يعني أن ضياع 15 يومًا دراسيًا على هؤلاء الطلبة مقارنة بأقرانهم، بينما لو تم تأجيل الدراسة للجميع في أنحاء السلطنة، لغرض إتاحة الفرصة للأغلبية من أبناء السلطنة ليتمكنوا من قضاء إجازاتهم.
هذه من المرات القلائل التي يخطر لي فيها عنوان مقال قبل أن تختمر في ذهني تفاصيل صلب هذا المقال، إلّا انني بعد أربعة مقالات كتبتها حول شؤون وشجون وهموم هذا الموسم "موسم خريف ظفار 2024" لن يخذلني العنوان أن أوفيه بعض حقه، لما فيه الصالح العام، ومحاولة واجتهاد مني للخروج ببعض مقترحاتٍ، أرى أنه حان آوان أن ترى النور، لعل وعسى أن يتم الاسترشاد ببعضها، لنُظهر خريف ظفار المميز بالصورة التي تليق به، ونُخرجه من عنق الزجاجة التي حشرناه فيها على مدى 40 عامًا.
يُفترض بنا بادئ ذي بدء أن نضع نصب أعيننا رقم المليون زائر لخريف ظفار في الحسبان، في أي خطوة لاحقة نسعى من خلالها لتطوير السياحة في ظفار، وأن لا تلاحقنا مُتلازمة ضعف الذاكرة بعد انقضاء كل موسم عن ما حصل فيما قبله من هنات وإرهاصات ومعيقات وأن نستفيد من التجارب.
ولنسأل أنفسنا أولًا سؤالًا بسيطًا وبديهيًا، وأقصد هنا مؤسسات حكومية ذات صلة مع بعض شركات القطاع الخاص من المستفيدين المباشرين من ريع السياحة في ظفار: ماذا قدمتم للبنية الأساسية للسياحة في ظفار حتى تستحقوا جني ضريبة 4% على الإيجارات وغيرها من الخدمات السياحية، من مليون سائح حتى الآن ودون أن يتم تقديم أي مُقابل يذكر في سبيل إنشاء بنية سياحية تصرف الدول عليها مليارات الدولارات لاستقطاب مليون سائح أو أكثر؛ سواء من داخلها أو خارجها؛ لأنَّ في ذلك أيضا حماية للاقتصاد الوطني بالحد من تحويلات مبالغ هائلة سيصرفها نصف مليون سائح عُماني لو اتجه للسياحة الخارجية.
يعلم الجميع أنَّ الزائر لظفار في خريفها؛ سواءً كان من الداخل أو الخارج، يأتي أولًا لغرض الاستمتاع بالأجواء والطبيعة، وثانيًا التمتع بطيب وطازج الطعام من لحوم وأسماك وطبخات محلية مميزة وغيرها، وثالثًا من أجل شراء اللبان والبخور الظفاري والاستمتاع بمذاق كزابها وفواكهها الاستوائية الموسمية، ورابعًا كنوز ظفار التراثية والثقافية والفنية، المادية منها وغير المادية.
ولنسأل أنفسنا: هل لنا نحن كبشر أي دور فيها لنحصل على ريعها؟! الجواب ببساطة: لا، لأنَّ جميعها هبات ربانية للخالق المُعطي.
40 عامًا مضت على نشاط سياحة موسم الخريف في ظفار، عاصرناه منذ بداياته المتواضعة عامًا بعد عام، وعاصرنا نموه وما مرَّ به خلالها من تجارب ومراحل ومسميات شتى حتى استقر القرار أخيرًا وبعد 40 عاماً أن ينال شرف مُسمى "خريف ظفار".
لقد قام مكتب سُّمو محافظ ظفار وقبله مكتب معالي وزير الدولة ومحافظ ظفار ممثلًا في لجنة المهرجان الرئيسية وبلدية ظفار، بأدوار وجهود كبيرة وملموسة طوال مدة الأربعين سنة الماضية، وهم يُشكرون على ذلك وتُرفع لهم القبعات والعمائم، وكل ذلك دون دعم مادي يُذكر من المؤسسات الحكومية الأخرى ذات الصلة؛ سوى مبالغ متواضعة من وزارة المالية تُعد بآلاف الريالات ولم تتجاوز رقم المليون في كل موسم، وأقل منها من وزارة السياحة، وكأنَّ خريف ظفار وسياحتها مجرد جهة تحتاج العون والدعم فقط، وليست شريكًا ومصدرًا رئيسًا من مصادر الدخل الوطني يجب الاستثمار فيه لتطويره وزيادة ريعه في الاقتصاد الوطني.
ولولا أنَّ هذه الجهات كانت تبذل جهودًا هائلة للحصول على التمويلات اللازمة من الشركات الكبيرة الداعمة مثل البنوك وشركات الاتصالات وغيرها من المستفيدين الرئيسيين من هذا الموسم، حتى أصبح لدى فعاليات الموسم أصول منتشرة في كل ركن من المحافظة لا يمكن نكرانها، فقد كانت بلدية ظفار تصرف سنويًا من موازنتها الخاصة وعلى حساب بنود خدمات أخرى مهمة لخدمات المحافظة عمومًا ما يزيد عن 2 مليون ريال سنويًا، وأحيانًا على موقع مهرجان الخريف في إتين فقط، والذي سيتم الآن الاستفادة من معظم منشآته القائمة على مساحة نصف مليون متر مربع تقريبًا لتنفيذ موقع "بوليفارد الرذاذ" الضخم، والذي لن يخدم سياحة الخريف فقط؛ بل وحتى السياحة الشتوية للأوروبيين الذين تجاوز عددهم 20 ألف سائح الموسم الماضي، ولم نستطع إلى الآن تقديم أي خدمات سياحية خارج نطاق المنتجعات والفنادق التي يقيمون فيها، ولم يتسن للموسم أساسًا الاستمرار بهذه الوتيرة إلى اليوم والوصول لتجاوز استقطاب مليون زائر.
مكتب محافظ ظفار يكفيه عناء وجهد إدارة هذا العدد الهائل من البشر خلال فترة الموسم، التي حصرناها نحن بأنفسنا في مدة 45 يومًا وضيّقنا على أنفسنا متسعًا وكذلك رعاية وترتيب وتنظيم عدد هائل من المؤتمرات والفعاليات المحلية والخليجية والعربية والعالمية، التي تصبح معها صلالة كلها عبارة عن خلية نحل وورشة عمل كبرى في سبيل تسهيل كل السبل لإنجاحها.
لقد آن الأوان للعمل من الآن وعاجلًا لتشكيل لجنة وطنية عليا تُعنى وتتابع وتخطط وتقترح كل ما يتعلق بشؤون البنية الأساسية لتطوير السياحة في ظفار من شوارع وجسور وتأهيل العيون المائية وغيرها من المواقع الأساسية التي تزخر بها المحافظة وترفع توصياتها مباشرة إلى مجلس الوزراء لاتخاذ قرارات الاعتماد والصرف بعد تخصييص خطة خمسية، تتجدد كل 5 سنوات.
مكتب المحافظ وتحديدًا بلدية ظفار لها تجارب وخبرات كافية، وأصبح ضمن تشكيلاتها الإدارية إدارات متخصصة تُعنى وتتابع كل ما يتعلق بفعاليات الموسم وخدمات الزائرين والسياح في شتى الجوانب، وتقوم بأدوارها بكل مهنية واقتدار، وكل ما تحتاجه منا أن نُفرغها لذلك وأن تقوم اللجنة الوطنية العليا (المُقترحة) بالاهتمام بكل ما يتعلق بتطوير البنية الأساسية للسياحة في ظفار، وإذا لم يتم العمل على ذلك من الآن وبالسرعة الممكنة، سنجد أنفسنا في مأزق حقيقي في التعامل مع قرابة 3 ملايين زائر مُتوقع زيارتهم لخريف ظفار بحلول عام 2030، وهذا تاريخ ليس ببعيد عنا.
وفّق الله الجميع وسدد خطاهم لما يحبه ويرضاه لخدمة هذا البلد المبارك.