صُنَّاع الفرص يبنون الاقتصاد

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

 

رسم لنا مؤلفو كتاب "لماذا تفشل الأمم" واقع مدينة نوجاليس الحدودية بين المكسيك والولايات المُتحدة؛ وهي مدينة مُنقسمة إلى جزأين، كل جزء ينتمي لدولة؛ فالجزء التابع للولايات المُتحدة يتمتع سكانه بدخول أفضل ومستوى تعليمي جيد وخدمات صحية وحكومية واستقرار أمني ونمط ديمقراطي أما النصف الآخر فهو النقيض تمامًا، بالرغم من أن كلاهما ينتميان إلى أصول عرقية واحدة.

وقد فسّر المؤلفان أن السبب يعود إلى السياسات الاقتصادية والتعليمية والتشريعات، في كلا البلدين. هذان النموذجان يتكرران في كل مكان وزمان نرى مجتمعات تشترك في الأرض والموارد وتختلف في المستويات المعيشية. قد نرى أسواقاً تعاني من الركود وأخرى مجاورة لها نشطة.

إذا عدنا إلى الوراء إلى القرن الماضي تحديدا كان الاقتصاد يعتمد على الصناعات التحويلية بشكل كبير وحقق وفورات مالية وخلق فرصًا للعمل والتوظيف وتم ربط المحتوى التعليمي باحتياجات السوق فكانت الثورة الصناعية في أوجها والمحور الذي يقود الاقتصاد. واليوم وبعد قرن من الزمان، فإنَّ التحولات الذي حدثت على صعيد الاقتصاد ونظرياته كثيرة، فالصناعة لم تعد وحدها محركا للاقتصاد وظهرت مجالات جديدة وتغيرت احتياجات المجتمعات والمستهلكين ومع التطور التقني اختفت وظائف وظهرت أخرى وقلَّ الاعتماد على العنصر البشري وسيقل الاعتماد أكثر مع مرور الوقت في مقابل ذلك نرى أن النظريات الاقتصادية التي كانت تصلح قبل خمسين سنة لا يمكن اعتمادها اليوم دون تطوير بما يتلاءم مع احتياجات كل مجتمع، من منطلق اختلاف الظروف والزمان والمكان والتحديات.

وهذا ما يؤكده الباحثون أن الموارد الطبيعية والموقع وحدهما لا يحققان اقتصادا نشطاً بل إن السياسات الاقتصادية والابتكار والسرعة في اقتناص الفرص، عوامل تدفع الاقتصاد إلى النمو. وحتى إن توفر ذلك لا يمكن تطبيق السياسات الاقتصادية دون وجود لصناع السوق الذين يجمعون الخيوط ببعضها ويرسمون مخططا متكاملا لإدارة السوق. هم الذين يُناط بهم أدوار خلق المنتجات والخدمات وتحديد الأسعار، على الدوام لإنعاش الحركة بالسوق وبالتالي خلق فرص العمل.

المستثمرون يبحثون عن قوة شرائية ونمط دينامكي من الأسواق التي تجذب المشروعات، فإن كان السوق يُعاني من مشكلة الباحثين عن عمل والمسرحين وضعف القوة الشرائية، فهذا الأمر كفيل بأن يجعل المستتثمر يتردد في الدخول في مغامرة مالية مهما كانت الوعود والمغريات لأنَّ مشكلة التسريح والتوظيف تعبر عن ضعف السوق أو وجود مشكلات تتطلب معالجة من الجهات المعنية بالتخطيط وإدارة الاقتصاد.

ما نعيشه اليوم نتيجة غياب صناع الفرص أو ما يطلق عليهم صناع السوق الذين يوكل عليهم خلق فرص لبناء اقتصاد متين لا ينهار أمام الصدمات وقادر على الصمود والتكيف مع كل الظروف بابتكار المزيد من الفرص الاستثمارية وبشكل مستمر.صناع الفرص هم أساس أي اقتصاد ناجح فلا يمكن الاعتماد على التسويق والترويج لمُميزات السوق أو البلد دون أن نصنع فرصاً جاهزة مبهرة تجذب المستثمر المحلي قبل الأجنبي. صُنّاع السوق لا يعملون منفردين؛ سواءً أكانوا أفرادًا أو شركات؛ بل هم جزء من منظومة متكاملة تنقل الاقتصاد إلى مستوى آخر يسبق العالم بخطوات. هؤلاء يعملون جنبا إلى جنب مع المشرعين والمؤسسات الخدمية والمالية وصناع القرار لوضع سياسات وخطط اقتصادية تحول الفرص إلى واقع ملموس.

إنَّ الأزمات تخلق الفرص والفرص تحتاج إلى كوادر وطنية ملمة بخصوصية المجتمع وإمكانياته ومكوناته. صناع اقتصاد متجدد يستطيعون اختيار مسار عمل مناسب للمجتمع وباستخدام أدوات اقتصادية تستهدف النمو الاقتصادي ورفع المستوى المعيشي حتى يٌقضى تماما على مشكلة التسريح والبطالة أو يقلل منهما. فلا يمكننا أن نعتمد على قدرة المؤسسات الحكومية في استيعاب عدد أكبر من المخرجات التعليمية أكثر عن حاجتها الفعلية، لأنَّ ذلك يعني ترهلا أكبر في المؤسسات وزيادة في سلسلة إجراءات العمل وهذا قد يأتي بنتائج عكسية على الاقتصاد في الوقت الذي ساهمت فيها التقانة في تقليل إجراءات المعاملات.

ولا يمكن أن نفرض على مؤسسات القطاع الخاص الذي يعمل على مبدأ الربح والخسارة استيعاب مزيد من الموظفين في ظل تعثر بعض مشروعاتهم نتيجة ضعف القوة الشرائية وضعف الطلب على الخدمات والمنتجات.

خلاصة القول.. إنَّ النمو الاقتصادي يتطلب عملًا تكامليًا يُديره صُنَّاع الفرص في السوق، ودونهم ستظل مشكلات التوظيف والتسريح عالقة؛ فارتفاع مستوى دخل الفرد ونمو القوة الشرائية هو ما يُحفِّز المستثمرين على الاستثمار ويُحقِّق الرخاء الاقتصادي.