مؤيد الزعبي
كثيراً ما نتساءل: هل الذكاء الاصطناعي حديث الساعة أو "تريند"، أم هو فعلاً ثورة حقيقية ستُغير كل ما نعرفه عن العلم والحياة والمستقبل وحتى التاريخ؟ قد أتفق معك عزيزي القارئ أنه تم تضخيم كل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي وتصويره على أنه خارق للعادة، والقادم ليمحي تاريخنا كبشرية وحاضرنا ومستقبلنا ويستبدلنا بشكل أو بآخر. وعلى جانب آخر، تمَّ تضخيم حجم الشركات التي تعمل بهذا المجال وتصويرها على أنها فرصة للاستثمار، وأنَّ أسهمها ستصعد كالصاروخ، ولكن سرعان ما تحققت مقولتنا الشهيرة: "ليس كل ما يلمع ذهباً"، ومع كل هذا مازلتُ مؤمنًا بأن الذكاء الاصطناعي هو ثورة وثروة حقيقية، ودعني أخبرك كيف؟ ومتى؟ ولماذا؟
عندما نقول إنَّ هذا الاختراع أو التطور هو ثورة، فنحن نعني أنه سيُغير الكثير من تفاصيل حياتنا بكل ما فيها، والذكاء الاصطناعي ينطبق عليه هذا الأمر فكل ما عرفناه من تاريخنا وفنوننا وثقافتنا وطرق أعمالنا وحتى حياتنا وتعاملاتنا وعلاقاتنا الشخصية ستتأثر أو تتغيَّر بفضل الذكاء الاصطناعي، وهذا أمر لا أجد أنه سلبي على الإطلاق، وإنما أجده أمرًا إيجابيًّا إنْ أحسنَّا استخدامه والتأقلم مع متغيراته، وبهدا تكمن الإجابة على سؤالنا: كيف يكون الذكاء الاصطناعي ثورة وثروة في حياتنا كبشرية!
أما متى؟ فبوجهة نظري أنه عندما تتبلور التطورات التي تحدث حالياً في مجال الذكاء الاصطناعي، حينها سنكون أمام نماذج قادرة على التغيير بشكل فعلي وعملي؛ فحتى الآن مازالت التطورات عبارة عن نماذج أولية، ولم ترتقِ لنماذج ذات قدرات مهولة كما تم وصفها والحديث عنها، ولكن في ظل السرعة الكبيرة التي تتطوَّر بها هذه النماذج، أجد أننا على أعتاب أن نصل لقدرات خارقة للذكاء الاصطناعي خلال السنوات القليلة المقبلة، فحتى "تشات جي.بي.تي" وتطورات المذهلة في نسخته 4.0 لم تصل لما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصل إليه في قادم الأيام، والمحاولات مازالت في البداية.
عندما نُجيب عن تساؤلنا: لماذا الذكاء الاصطناعي ثورة وثروة؟ فهو ثورة لأنه سيغير كل شيء من حولنا، وثروة لأنه سيمكننا كأشخاص وحكومات ومؤسسات وكبشرية بأكملها من الوصول لحقائق وعلوم وتطبيقات لم نكن نعرفها من قبل، وهذه ثروة بحد ذاتها؛ ثروة من المعرفة والحقيقة والتطور والتقدم الذي سعينا إليه منذ أن خُلقت البشرية، واليوم نحن أمام تطبيق من صنعنا يتفوق علينا في معظم القدرات والإمكانيات وقادر على مساعدتنا في استكشاف ما كنا نجهله، ودعنا نترك الشق السلبي في هذا الأمر، فكل مستحدث في حياتنا له جانبه السلبي والإيجابي، وتبقى إرادتنا على اختيار ما يناسبنا هو العامل الوحيد الذي سيضمن أن يكون الذكاء الاصطناعي إضافة إيجابية لحياتنا.
الذكاء الاصطناعي عزيزي القارئ ليس "تريند" وهذا ما هو المُهم؛ صحيح يتم خداعنا أحياناً بإعلانات وبصفقات أو تداولات في البورصة لشركات تعمل بهذا المجال، وتصويرها على أنها سبب ثرائك المستقبلي أو تصوير الذكاء الاصطناعي بأنه وحش جاء ليقضي عليك كإنسان ويأخذ مكانك، وأنا لا أعتقد ذلك بتاتاً، بل أجد فيه أنه جاء ليرافقك في مسيرتك الإنسانية التي تبحث عن الحقائق، وتطرق باب العلم في كامل جزيئاته وفروعه؛ لذا دعنا نتفق على أننا أمام تطور سيدوم معنا سنوات طويلة وليس مجرد موجة من التطور وستختفي، وكل ما يهمك أن تتعلم أين تكمُن الفرص في استخداماته، وكيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهل حياتك أو ينقلها لمستوى أفضل ماديًّا ونفسيًّا وعمليًّا.
قد يجد البعض بأنَّ كلامي في إحدى جزئياته عبارة عن نصيحة بأن لا نستثمر بشركات الذكاء الاصطناعي! بل العكس دعوتي هنا أن تختار المكان المناسب الذي تستثمر به، فكما قُلت لك سابقاً ليس كل ما يلمع ذهباً، فعليك أن تُميز لمعان الذهب الحقيقي من المزيف، وحينها ستجني الكثير من الأرباح والفوائد، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي ستكون مفيدة لك في هذا الجانب؛ لأنها ستكون مستشارك الاستثماري في قادم الأيام.
كل ما شهدناه من تطورات في الذكاء الاصطناعي ما هو إلا بداية، والفرص الحقيقية مازالت قادمة، وهناك شركات تعمل بمنهجيات عالية المستوى لتطوير هذا المجال، وبالطبع هناك شركات تستغل تريند الذكاء الاصطناعي لتروج لتطبيقاتها التي أجدها أقل من المستوى أو تروج لتصور نفسها لتكون في صدارة الشركات الطامحة في هذا المجال، في حين أنها تتخبط ولا ترتقي لذلك أبدًا، وهنا وجب الإشارة إلى أنه عليك عزيزي القارئ أن تُدرك هذه الحقيقة، وأن تختار ما يناسبك من أدوات ذكاء اصطناعي لتُسهل عملك وحياتك، وأن تختار ما هو موثوق لتستثمر فيه أموالك.. وهذا هو خلاصة قولي وطرحي.