لماذا نستقل برؤية هلالنا؟

 

بدر بن خميس الظفري

في عام 1439 هجري والذي يُوافق العام 2018 للميلاد، كنت ضمن حجاج تلك السنة، وكان التاريخ الهجري في سلطنة عُمان 28 من ذي القعدة، وكان التاريخ في المملكة العربية السعودية 29 من ذي القعدة، وكانت السلطنة مُلتزمة في تلك الفترة باتباع تقويم أم القرى في رؤية هلال ذي الحجة، من أجل أن تواكب السلطنة شعائر الحج من وقوف في جبل عرفات ويوم النحر وأيام التشريق.

ما حدث أنَّ السعودية أعلنت ثبوت رؤية الهلال في اليوم التاسع والعشرين، وبالتالي فإنَّ اليوم التالي سيكون غرة شهر ذي الحجة حسب تقويم أم القرى، وعليه فكان على سلطنة عُمان أن تتخذ أحد القرارين: إما أن تعدّ اليوم التالي هو الأول من ذي الحجة، أي أن شهر ذي القعدة سيكون 28 يومًا، وهو ما يستحيل، لأنَّ الشهر الهجري إما أن يكون 29 يومًا أو 30 يومًا، ولا يكون أبداً 28 يومًا. أو أنها تعتبر اليوم التالي هو 29 من ذي القعدة وبالتالي تخالف تقويم أم القرى، وهو أيضًا شيء لم يكن قد أعد له لأسباب كثيرة في ذلك العام.

وبسبب ما حدث في عام 1439 للهجرة وتجنبًا لأية أمور أخرى، اتخذت السلطنة قرارها بداية من عام 1440 للهجرة بتحري هلالها بنفسها في جميع الشهور الهجرية بلا استثناء؛ بما في ذلك شهر ذي الحجة.

القرار كان معتمدًا على معايير عدة منها اختلاف المطالع؛ أي أن لكل بلاد مطلعها، خصوصًا أن المسافة المكانية بين سلطنة عُمان والسعودية ليست بالقصيرة، وكذلك المسافة الزمنية، فتفصل بيننا وبينهم ساعة من الزمن، وهذا كله بلا شك يؤثر على رؤية الهلال، بالإضافة إلى أن سلطنة عُمان تُعلن عن رؤية هلالها قبل غيرها من الدول المجاورة، مما ينفي قطعاً الادعاءات القائلة بتعمد مُخالفة الغير في الرؤية.

المعيار الثاني الذي اتُخذ هذا القرار بناء عليه هو الدقة المتناهية التي تتمتع بها سلطنة عُمان في تحري الأهلة، فهي تجمع بين الاعتماد على علم الفلك، وبين الرؤية الشرعية التي سنّها الرسول صلى الله عليه وسلم، فوزارة الإعلام بالتعاون مع وزارة الأوقاف الشؤون الدينية ووزارة الداخلية وغيرها من المؤسسات الحكومية يعدون برنامجًا مُباشرًا يُبث على شاشة تلفزيون سلطنة عُمان لتحري هلال كل من شهر رمضان وشوال وذي الحجة، تتواصل فيه اللجنة الرئيسة مباشرة مع اللجان الفرعية في جميع محافظات السلطنة، التي خَصَّصَت مراصد عدة لتحري الهلال.

المعيار الثالث في اتخاذ هذا القرار يتمثل في الفتاوى الشرعية الصادرة من علماء الدين الإسلامي من مختلف مدارسهم الفقهية حول قضية صوم يوم عرفة وذبح الأضحية؛ إذ أكد معظمهم أنَّ هذه العبادات تؤدّى حسب رؤية هلال كل دولة، وليس لزامًا أن يوافقوا الحجاج زمانيًا في تأديتها؛ فالحاج- مهما اختلفت رؤية بلاده للهلال- يقف بصعيد عرفات حسب تقويم أم القرى، وغير الحاج يُشرع له صوم التاسع من ذي الحجة حسب رؤية بلده، وكذلك فيما يتعلق ببقية الشعائر الأخرى كذبح الأضاحي والتكبير بعد الصلوات خلال أيام التشريق.

وكذلك لا ننسى أنَّ الشهور إذا اختلف منهج حسابها من شهر إلى آخر فإن محصلتها النهائية تتأثر بذلك، أي أننا سنجد أنفسنا في الموقف المحرج ذاته الذي وقعنا فيه عدة مرّات، وهو أن يكون شهر ذي القعدة 28 يومًا، وهذا لا يصح شرعا، لأنه يترتب على هذه الشهور أحكام شرعية مثل عدة المعتدة من طلاق أو من وفاة، أو بعض الكفارات؛ إذ إن المُعتَبَر في جميع ذلك الشهور الهجرية الكاملة التي إما أن تكون 29 يومًا أو 30 يومًا، وعلى ذلك فنحن أمام خيارين: إما أن نعتمد على تقويم "أم القرى" في الشهور كلها بلا استثناء، حتى لا نجد أنفسنا في شهرٍ أيامه 28 يومًا كما حدث في عام 1439 وقبلها من السنوات، وهذا ما يصعب تطبيقه، أو أن نعتمد على التقويم العُماني ورؤية هلالنا بأنفسنا، في جميع الشهور دون استثناء.. أما الخلط بينهما فإنه مدعاة للفوضى ولا معنى له!

تعليق عبر الفيس بوك