السيدة الجليلة.. أيقونة المرأة العُمانيّة

 

 

 

 

بدر بن خميس الظفري

@waladjameel

 

في احتفالية تجسّد التقدير للمرأة العُمانية ودورها الريادي، تفضّلت السيدة الجليلة عهد بنت عبدالله البوسعيدية حرم جلالة السلطان المُعظم- حفظها الله ورعاها- بتكريم نخبة من الشخصيات النسائية العُمانية من مختلف القطاعات بقصر البركة العامر، وذلك احتفاءً بيوم المرأة العُمانية الذي يوافق 17 أكتوبر من كل عام.

وقد جاء هذا التكريم تأكيدًا على المكانة الرفيعة التي تحظى بها المرأة العُمانية، والدعم المتواصل الذي تناله كشريكٍ رئيسي في بناء الوطن وصناعة مستقبله.  ولم يكن هذا الحدث إلا حلقة في سلسلة مبادرات وفعاليات أكدت من خلالها السيدة الجليلة رؤيتها الثاقبة لدور المرأة وحضورها الفاعل في مسيرة النهضة العُمانية.

ولم يكن هذا الحضور إلا امتدادا لإرث عائلي حافل، فقد نشأت السيدة الجليلة عهد في كنف أسرة عُمانية عريقة بولاية مسقط، فوالدها السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي أحد رجالات الدولة الذين تولّوا مناصب رفيعة، ووالدتها السيدة خالصة بنت نصر البوسعيدية، التي عُرفت بعطائها الاجتماعي وخدمتها لمجتمعها بصمتٍ وإخلاص. وفي ظل هذه التنشئة الأصيلة، ترسّخت في شخصية السيدة عهد قيم المسؤولية وحُب الخير؛ إذ تمتد جذورها العائلية إلى الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي مؤسس الدولة البوسعيدية، مما أكسبها إرثًا غنيًا بالقيم والانتماء.

منذ صغرها أولت السيدة عهد اهتمامًا خاصًا بالعلم والمعرفة، فنهلت من الكتب وارتادت مدارس السلطنة قبل أن تكمِل تعليمها العالي في تخصص علم الاجتماع خارج عُمان، بدافع شغفها بفهم المجتمع والإنسان، ثم عادت إلى أرض الوطن حاملةً فكرًا ناضجًا ورؤية طموحة، وظفتها في خدمة وطنها من موقعها المميز.

ومع تولي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم عام 2020، برزت السيدة الجليلة شريكة حقيقية في النهضة العُمانية المتجددة؛ فالسيدة عهد لم تكن مجرد قرينة للسلطان؛ بل قامت بأدوارٍ فاعلة عبر رعايتها ومشاركتها في المبادرات الاجتماعية والثقافية والتربوية، فقد كرّست السيدة الجليلة جهودها لدعم قضايا التعليم وتمكين المرأة والحفاظ على البيئة وتعزيز تماسك الأسرة.

ويشهد حضورها في المناسبات الوطنية على إيمانها بأنَّ القيادة ليست بروتوكولًا ومراسم فقط، وإنما هي عمل دؤوب وتأثير حقيقي ينبع من قرب القائد من شعبه. ويكفي مشهد السيدة الجليلة وهي تنصت بكل تواضع لأحد المواطنين أثناء زيارة لإحدى الولايات العُمانية، ليعكس مدى قربها من الناس واحترامها لصوتهم دون تكلف أو حواجز؛ إذ جسّدت بنهجها هذا أرقى معاني القيادة الناعمة والبصمة النسائية المؤثرة في الحياة العامة.

وانطلاقًا من النهج الذي أرساه السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيّب الله ثراه- في تمكين المرأة، واستمرارًا لما يُقدمه جلالة السلطان المعظم- حفظه الله وأبقاه- من دعم، أخذت السيدة الجليلة على عاتقها مهمة تعزيز مكانة المرأة العُمانية في شتى الميادين. وفي كلماتها المؤثرة بمناسبة يوم المرأة العُمانية، عبّرت عن فخرها واعتزازها بالمرأة ودعت إلى استمرار رحلتها العظيمة في بناء الوطن. ومما جاء في تهنئتها هذا العام: "إنه ليسرُّنا في هذا اليوم المبارك، الذي يوافق السابع عشر من أكتوبر، يوم المرأة العُمانية، أن نبعث بأسمى التّهاني وأصدق الأمانِي لكلِّ امرأةٍ عُمانيّة، ولكلِّ مُقيمةٍ في خدمة هذا الوطن العزيز. إنّهُ يومُ الاعتزاز بنساء عُمان جميعًا، يومٌ نقدّر فيه ما تنسجُه المرأةُ بحكمةٍ وصبرٍ، وتزيّنُه بالولاء والإخلاص، فغدت ركيزةً أساسيّةً للنهضة، وحارسةً للقيم، وصانعةً للأجيال".

هذه العبارات الصادقة تعكس رؤيتها بأن إنجازات المرأة العُمانية هي عنوان للفخر والإلهام، وتؤكد على ضرورة تمسكها بقيمها والاستمرار بالعطاء للوطن. وقد شددت السيدة الجليلة في إحدى رسائلها على أن المرأة العُمانية مطالبة بالحفاظ على التوازن بين الأصالة والانفتاح، وأن تبقى صوتًا للحكمة والاعتدال في وجه تحديات العصر ومتغيراته الاجتماعية والتقنية. وهكذا أصبحت السيدة عهد صوتًا معنويًا لكل امرأة عُمانية، تلهمها بأن تكون شريكة فاعلة في صنع مستقبل عُمان المزدهر.

وانطلاقاً من إيمان السيدة الجليلة بأنَّ النهضة الحقيقة تُبنى بسواعد أبناء الوطن جميعًا، وضعت العمل الإنساني في صميم اهتماماتها عبر مؤسسة عهد الخيرية. وتعمل هذه المؤسسة الوطنية الرائدة على دعم العمل التطوعي والمجتمعي، وتقديم الدعم المادي والمعنوي للمبادرات التي تعنى بتمكين المرأة ورعاية ذوي الإعاقة والأسر ذات الدخل المحدود.

وتجسّد المؤسسة رؤية السيدة عهد في تعزيز التكافل الاجتماعي وتمكين المجتمعات من الداخل، ترجمةً لقيم العطاء المتجذرة في الثقافة العُمانية. ولم تقتصر جهود السيدة الجليلة على الدعم المؤسسي فحسب؛ بل امتدت إلى مبادرات إنسانية مباشرة تركت صدى طيبًا في المجتمع؛ منها دعمها لتاجرة عُمانية صغيرة عبر شراء منتجاتها كاملة وتشجيعها على المضي في مشروعها الصغير، وكذلك تكريمها لإحدى السيدات العُمانيات نظير أعمالها الخيرية، وحرصها على متابعة أحوال من يخدمون المجتمع بشتى المجالات. كما سُجِّلت لها مواقف إنسانية نبيلة تجسّد تواضعها واهتمامها الشخصي، مثل تواصلها هاتفيًا للاطمئنان على عدة مواطنين أثناء مرورهم بعوارض صحية، أو تقديم العزاء لبعض المُواطنين.

هذه اللفتات الكريمة أكدت أنَّ عطاء السيدة الجليلة متواصل لا يعرف حدودًا، وأن رسالتها تتجاوز الأطر الرسمية إلى زرع الأمل والبسمة في نفوس أبناء الوطن.

وعلى الصعيد الدولي، حملت السيدة عهد رسالة عُمان الحضارية في المحافل الخارجية بتميز واقتدار. فقد صاحبت جلالة السلطان في استقبال عدد من الضيوف رفيعي المستوى وعكست بحضورها روح الدبلوماسية الهادئة وحرارة الترحيب العُماني الأصيل.

ومن أبرز محطاتها في هذا المجال استقبالها لجلالة الملكة ماتيلد ملكة بلجيكا في مسقط عام 2022، والسيدة انتصار السيسي قرينة الرئيس المصري؛ حيث عكس ذلك وجه عُمان المشرق في تكريم المرأة كشريك في كل محفل. ولم يقتصر دورها على التمثيل المشرّف؛ بل حظيت أيضًا بإشادة وتكريم دوليين يعكسان تقدير العالم لمبادراتها. فقد مُنحت وسامين ملكيين من مملكة هولندا ومملكة بلجيكا تقديرًا لدورها الإنساني الراقي ومبادراتها المجتمعية التي تجاوز أثرها حدود السلطنة.

هذا التكريم الدولي رسّخ مكانة المرأة العُمانية في المحافل العالمية كصوت فاعل ومؤثر في قضايا الإنسان والتنمية، وأبرز وجه عُمان المشرق في مجال العمل الخيري والاجتماعي على المستوى العالمي.

وتمضي السيدة الجليلة عهد البوسعيدية قُدمًا في رسم ملامح مرحلة جديدة للمرأة العُمانية، مستمدةً الإلهام من إرث النهضة ومجددةً العهد على مواصلة مسيرة العطاء. إنها لا تظهر كواجهة اجتماعية فحسب؛ بل تتخذ من العمل منهجًا، ومن التواضع قوة، ومن الحكمة نبراسًا يهتدي به الجميع. لقد أثبتت من خلال نهجها وسلوكها اليومي أن القيادة الحقيقية هي تأثر وإلهام قبل أن تكون ألقابًا ومناصب. وفي ظل رؤيتها، باتت كل امرأة عُمانية تدرك أن أحلامها وطموحاتها هي جزء لا يتجزأ من حلم الوطن الكبير. لقد أصبحت السيدة الجليلة عهد بمسيرتها الصادقة وعطائها المتدفق، رمزًا وطنيًا يُجسّد قيم النهضة المتجددة، وملهماً لكل امرأة ورجل على حد سواء بأنَّ عُمان تزدهر بتكاتف سواعد أبنائها جميعًا، وأن المستقبل يُبنَى بقوة الإيمان والعمل المشترك.

الأكثر قراءة