تشريح الصهيونية وطرق مُطاردتها

 

د. عبدالله الأشعل **

إذا أرادت إسرائيل وحُماتها أن تستمر يلزم توفُّر ثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن تتخلى إسرائيل عن المشروع الصهيونى أو تقوم بتعديله؛ لأنه يستحيل أن تستمر في التهام الأرض وتظل تجسيدًا للمشروع الإجرامي تمهيدًا لتكون مقرًا لما يسمونه "الكمولث الصهيوني".

الشرط الثانى: أن تتخلى عن فكرة الدولة اليهودية وأن تعترف بأن اليهودية شريعة إلهية لا يجوز تشويه صورتها بالتستر بها والافتراء على الله، فيأتون كل الجرائم المنهي عنها في الكتاب المقدس الذي لم يمسه التحريف.

الشرط الثالث: أن تعتذر للشعب الفلسطيني عمّا ألحقته به من أضرار نفسية وأخلاقية والالتزام بتطبيق القانون الدولي، والسعي لدى واشنطن لنزع القداسة عن المشروع الإجرامي في قوانين الكونجرس عام 1992، وعام 2002 وغيرهما.

ويجب على الدول العربية والإسلامية والإفريقية إصدار قوانين تحظر مبادئ الصهيونية، خاصة وأن اتجاها ظهر عام 1985 يسجل مكاسب الصهيونية عند العرب وغيرهم فصدر كتاب ريجينا الشريف ونشرت ترجمته في سلسلة عالم المعرفة في الكويت عدد ديسمبر 1985 وعنوانه الصهيونية غير اليهودية، وسجلت فيه أن الإيمان بالفكرة الصهيونية أي إفراغ فلسطين من أهلها وتسليمها للصهيونية وطرد أهلها على زعم أن فلسطين كانت موطن اليهود، وحيث إنه لا علاقة بين اليهود والصهيونية فهما ضدان، فلايجوز أن ينسب الصهاينة الجرائم والمقولات الشاذة إلى الشريعة اليهودية.

الصهونية غير اليهودية

لفت الكتاب إلى أنَّ الصهيوني لابُد أن يكون يهوديًا وإنما الصهيوني المتستر باليهودية هو الأصل في الصهيونية أي الإيمان بملكية الصهاينة لفلسطين. وتحرص إسرائيل على أن تسمي نفسها صهيونية ومن يقدح في الصهيونية توجه له تهمة لامعنى لها اسمها "معاداة السامية" وهي سوط تُلهِب به الصهيونية كل مُنصف.

ولكن الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارته النادرة لإسرائيل في نوفمبر 2023 أكد أنَّه ليس يهوديًا، ومع ذلك فهو صهيوني وجده كان صهونيًا أيضًا، وأملي أن نُحاكِم الصهيونية أمام محاكم الغرب، وأعني أن تتشكل مجموعة من المحامين العرب فى أوروبا وأمريكا ويتولون هذه المهمة.

أما وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن فخلال زيارته الأولى لإسرائيل (ضمن 8 زيارات منذ بدء العدوان وهو رقم قياسي) أكد أنه جاء إلى إسرائيل بصفته يهوديًا (يقصد صهيونيًا) على أساس اعتقاده الخاطئ، أن كل يهودي صهيوني وفقًا لتفسير الحاخام الأكبر (وهو توظيف لليهودية لدعم الصهيونية الإجرامية في مآلها وأساليبها وأصلها) وبصفته يهوديًا وليس بصفته وزيرَ خارجية الولايات المتحدة وأتمنى أن يُحاكم على هذا التصريح أمام القضاء الأمريكي.

الفئة الثالثة هي فئة العرب الذين يؤمنون بحق الصهاينة في فلسطين. ويتبعون هذا الاعتقاد بمواقف سياسية هي في الغالب خوفًا أو إرضاءً للأمريكان؛ لأنَّ واشنطن تعتقد أن الحاكم العربي يجلس على كرسي تضمنه واشنطن مقابل خدمة إسرائيل، ولقد رأينا في ملحمة غزة سلوك بعض الحكام العرب، ولا يدركون أن اعتناق الصهيونية يعني التنصُّل من العروبة؛ لأنَّ الصهيونية هوية تحل محل العروبة، وتتخذ من الشرق الأوسط الجديد بديلًا للعروبة ومؤسساتها؛ فالتخلي عن العروبة ثمن بقاء الحاكم في منصبه بامتيازاته وفور انتهاء مُهمته تُبعده واشنطن من الحياة أو من المنصب!

والحق أن الصهيونية استغلت كرم المجتمعات العربية وقدمت نفسها في القرن العشرين على أنها جمعيات خيرية قبل فيضان هجرتهم هربًا من المحرقة الألمانية؛ وهي رواية مشبوهة والتبس حتى على كبار المفكرين، مثل د. طه حسين، ولا ندري هل غفل عن حقيقة الصهيونية أم أنه استُدرِج إلى موقف المساندة والتعاطف بخلاف محمود عباس العقاد الذي وضع الصهيونية والنازية والشيوعية في نفس المستوى. وقد انتشرت موجات الصهيونية العربية في الخطاب السياسي والإعلامي، ولذلك يجب التصدي لهؤلاء المرتدين عن العروبة المُغرَّر بهم وربما أصحاب المصالح مع النظم العربية الصهيونية.

وعندما يكون الحاكم العربي صهيونيًا يُجاري الجهود الأمريكية، فيعمد إلى التدليس حتى لا ينكشف موقفه أمام الشعوب العربية؛ فيشترط مثلًا للتطبيع مع إسرائيل، وقف الحرب في غزة وحل الدولتين المعيب سياسيًا وقانونيًا. والأمثلة كثيرة ونعف عن ذكرها منعًا للإحراج، خاصة وأنهم يعلمون أن إسرائيل الصهيونية تريد أن تنفرد بالأرض الفلسطينية وإبادة السكان وعدم الاعتراف بهم.

ومن ناحية أخرى تُعتبر واشنطن التطبيع العربي مع إسرائيل هو أكبر إنجاز للسياسة الأمريكية خاصة في عهد جو بايدن.

والغرب أنشأ إسرائيل ويرعاها ويستخدم الصهيونية أداةً لقهر العرب وتحقيق مصالحه في المنطقة، ولو استغنى عن الصهيونية لكان خيرًا للعرب والغرب.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا