عُمان والكويت.. والعِنَاق الصادق

 

 

حمد بن سالم العلوي

عندما يتعَانق الزَّعيمان على أرض الكويت، يكُون قد سبقهما عِناق الشعبيْن العُماني والكويتي بعقود؛ بل وقرون طويلة من الزمن الجميل، وعندما لَجَأ العُمانيون إلى الكويت قبل العام 1970 طلبًا للرزق والعمل الشريف، فقد استقبلهم الكويتيون برحابة صدر، وفتحوا لهم أفق المستقبل، فعملوا ودرسوا وتعلموا وطببوا مرضاهم، وكأنهم أفراد من أبناء الشعب الكويتي العزيز، وقد سبق هذه العلاقة الطيبة بين الشعبين الكريمين في عُمان والكويت، رابطة الجغرافيا والتاريخ المشترك والعلاقات الاجتماعية وحسن العشرة، فكانا يتعاونان كدولتين مطلتين على البحر من خلال شعبي البلدين، وذلك في شد أزر بعضهم بعضًا من خلال الرحلات التجارية المشتركة بين الهند والمناطق التجارية الأخرى على ضفاف الخليج العربي.

وكان ذلك يقوم على التعاون والتعاضد لا التنافر والتحاسد، كما هي حال بعض الدول الأخرى. إذن؛ العلاقات العُمانية-الكويتية قديمة قِدم التاريخ والجغرافيا، والترابط الاجتماعي بين الشعبين يحكمه نسيج من المصاهرة، والعلاقات الإنسانية الوطيدة، والنسب الممتد في عمق التاريخ.

لتأتي هذه الزيارة اليوم، وهي في تصنيف "زيارة دولة"، لتُمثل أرفع أنواع الزيارات بروتوكوليًّا بين الدول، والتي قام بها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم سلطان عُمان، لأخيه حضرة صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، كدليل على عُمق أواصر الأخوة بين شعبي البلدين، وصدق المحبة وعظيم التآخي بين الزعيمين العُماني والكويتي، وتوثيقًا لأواصر الأخوة الرائعة، فقد حضر سمو أمير دولة الكويت إلى سلطنة عمان في شهر نوفمبر الماضي ليُشارك في افتتاح أكبر مشروع اقتصادي مشترك بين دولة الكويت وسلطنة عمان، ألّا وهو مشروع مصفاة الدقم الكبرى، لتكرير النفط في مدينة الدقم الاقتصادية، وكان يكفي أن يرسل وفدًا من المختصين لحضور المناسبة، ولكنَّه فضَّل-حفظه الله- أن يحضر بنفسه إلى السلطنة ليعطي للافتتاح الكثير من البهجة والدعم الشخصي.

وهي بالمناسبة مدينة بحرية قريبة من ساحل الشويمية، الذي أحبه سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الأسبق -طيب الله ثراه- والذي كان يجد فيه راحة النفس على الساحل العُماني الجميل والهادئ، والمطل على بحر العرب، وهذا البحر منحه العُمانيون هذا الاسم بحكم القوة والسيطرة العُمانية عليه أيام التاريخ العُماني القديم.

إنَّ عُمان التي تمتد بها جغرافيتها في الجزء الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة العربية إلى رأس مسندم عند مدخل الخليج العربي، والكويت التي تستقر بها جغرافيتها على رأس هذا الخليج، لم تكن الجغرافيا لتفرِّق بين شعبي البلدين؛ وذلك بحكم التواصل البحري بين السفن العُمانية في المنطقة من ظفار في أقصى جنوب عُمان مرورًا بمدينة صور وساحل الباطنة إلى قلب الخليج، وصولًا إلى دولة الكويت والبصرة في العراق.

وقد كان العُمانيون ينظرون إلى الدول العربية على ضفاف الخليج، نظرة الأخوة الصادقة، وترى نفسها المُلزَم عليها -أدبيًّا وأخويًّا- حماية أشقائها من الطامعين فيهم، وكانوا إذا لزموا أنفسهم بحماية أي بلد آخر شقيق، يقومون بتشييد القلاع والحصون الدفاعية، وذلك بهدف الحماية والسيطرة، وإذا اطمأنوا باستقرار تلك البلاد سلَّموها لأهلها، وغادروها عائدين إلى مسقط، عرين العروبة في ذلك الزمان، وقد فعلوا مثل ذلك غير مرة مع أهل البحرين والبصرة، وذلك عندما طردوا الجيش الفارسي بقيادة كريم خان من البصرة العراقية، وقد كان الفرس قد أغلقوا شاطئ العرب بسلاسل الحديد، فقام الأسطول البحري العُماني بقطع سلاسل الحديد، وطرد الفرس من البصرة، وسُلِّمت البصرة إلى أهلها، وعاد الأسطول البحري العُماني إلى مسقط غير طامع في توسعة جغرافية عُمان على حساب أشقائه.

وعندما هدَّد عبدالكريم قاسم باحتلال دولة الكويت في مطلع ستينيات القرن الماضي، التزم العُمانيون المقيمون على أرض الكويت بالدفاع عنها، وكأنها وطنهم الأول، ولما دارت الأيام واحتل العراق الكويت في عام 1990، كان الجيش العُماني أول الواصلين إلى قلب الكويت، وذلك لأن عُمان ترفض الظلم والاعتداء منذ نشأتها الأولى قبل آلاف السنين.

لذا؛ فنحن لا نستغرب مشاعر الود والاحترام الكبيرين بين الشعب العُماني والكويتي، كون علاقتهما تقوم على إرث عظيم من المودة والأخوة الصادقتين منذ زمن بعيد، وأن زيارة سلطان عُمان إلى دولة الكويت، إنما جاءت تتويجًا لعلاقات قديمة وأزلية، وتوطيدًا لاستمرار نهج المحبة والأخوة الصادقة، ليس بين الزعيمين في البلدين وحدهما، وإنما بين الشعبين الذين ينعمان بدفء المحبة والاحترام المتبادل.

ولا شك أنَّ الكويت وعُمان قد أبعدتا عن شعبيهما نكبة الطائفية والتنابز بالألقاب، وهذه الآفة مدسوسة على العرب من اليهود أعداء الله ورسوله، وذلك لبث بذور الفرقة والتفرقة بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة، بُغية إشعال فتنة التناحر بين شعوب الأمة العربية، وقد تعهَّد بعضُ الجهلة ممن نصَّبوا أنفسهم وكلاء عن الله في الأرض، فصاروا يُعطون صكوك الغفران لمن يحبون، والحكم بالنار على من يُبغضون والعياذ بالله، وهذه آفة خطيرة ومُدمِّرة للتسامح والتصالح مع الذات.. حفظ الله عُمان والكويت، وأعز زعيميهما عزة مباركة دائمة.

الأكثر قراءة