لن تسقط غزة!

 

 

حمد الحضرمي *

تعيشُ الجامعاتُ الأمريكيةُ حالةً فريدةً من المظاهرات والحِرَاك الطلابي الواسع، دعمًا للفلسطينيين ورفضًا لما يتعرَّض له قطاع غزة من قتل ودمار على أيدي الصهاينة المُعتدين، وهذه المظاهرات لها تأثير كبير في تاريخ أمريكا وسوابق، كالمظاهرات المناهضة لحرب فيتنام التي وقعت في جامعة ولاية كينت في أوهايو في مايو 1970.

وهذه الأيام تقُود جامعات رائدة في العالم؛ مثل: جامعة كولومبيا، وهارفارد، المظاهرات الحالية، وقد توسَّعت الاحتجاجات الطلابية الداعمة للفلسطينيين لتشمل عددًا من الدول؛ أبرزها: فرنسا، وكندا، وسويسرا، وأيرلندا، وأستراليا، والمكسيك، ويطالب المحتجون الذين نصبُوا خيامًا للاعتصام داخل جامعاتهم ورفعُوا العلمَ الفلسطينيَّ وتوشحوا الكوفية الفلسطينية، بوقف الحرب على قطاع غزة.

إنَّ هذه الحرب الظالمة المُجْرِمة التي يشنُّها العدو الصهيوني على قطاع غزة منذ سبعة أشهر قد خلَّفت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، وكارثة إنسانية غير مسبوقة في كل القطاعات الطبية والتعليمية والبيئية والحياتية، ويواصل الكيان الصهيوني حربَه رغم صدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، ورغم مثُول إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في غزة.

أحرارُ العالم يخرجُون إلى الشوارع لنجدة غزة، بينما 22 دولة عربية و430 مليون عربي، و57 دولة مسلمة و2 مليار مسلم يتفرجون على ما يحدث في غزة من جرائم ومجازر، فقط يُردِّدون عبارتهم المشهورة: "لا نملك لكم غير الدعاء".

يتوجَّب علينا أنْ نقفَ مع الذات وقفة واعية، ونُراجع أنفسنا ومواقفنا، ونفكِّر بمستقبلنا ومستقبل أوطاننا وشعوبنا قبل أن يدقَّ العدو الصهيوني رماحه في ضلوعنا؛ فالعدو ليس أشجع منا في ميادين المعارك، وليس أكثر مِنَّا عدة وعتادًا، وليس له تاريخ مشرف كتاريخنا، ولا يملك ثروات طائلة كالتي نملك، ونحن أصحاب حق، والعدو على باطل، ونحن أصحاب أمجاد تليدة قادها الآباء والأجداد، وقهرنا الروم والتتار والمجوس والصليبيين، وأقمنا دولة التوحيد وأصبحت راية الإسلام عالية خفاقة في كل مكان، فإلى متى يا أمة الإسلام هذا الضعف والهوان والخذلان؟!!!

ورغم كل ما يحدث لغزة من قتل ودمار على أيدي الصهاينة المعتدين، أقول إلى كل القلوب المُحِبَّة لغزة ويخافون سقوطها: "اطمنئوا.. غزة صامدة وأقوى مما تتخيلون، فهي كالشجرة واقفة في وجه العدو لا تلين ولا تنكسر".

والكلُّ يعلم أنَّ غزة وحدها وقفت تقاوم وتقاتل بكل إيمان وشجاعة وثبات في وجه العدو الصهيوني، الذي يشنُّ حربَ إبادة جماعية غايتها القضاء على غزة وأهلها، ولكنَّ الصهاينة يجهلون ولا يعلمون أنَّ أهل غزة رجال لا يستسلمون ولا يخافون من الموت ولا يهابون، ويفدُون دينهم ووطنهم بأرواحهم وأنفسهم؛ لذلك ظلت غزة طوال سبعة أشهر شامخة راسخة كالجبال في وجه الصهاينة، رغم الحصار وما أصابها من دمار وخراب، ودون عون ومساعدة من أحد، ظلت صامدة وسطَّرت المقاومة الباسلة التي تخوض معركة بقاء أقوى وأروع التضحيات والكفاح والصمود والبطولات الخالدة التي سيسجلها التاريخ بأحرف من ذهب ضد العدو الغاشم صاحب القوة والجبروت. 

إنَّ غزة صاحبة العزة والكرامة لن تسقط وستظلُّ شامخة؛ لأنَّ رجالها الأبطال المجاهدين الأحرار لا يقبلون الظلم ولا يخشون الموت، وسوف يُرجِعُون حقوقهم المسلوبة بالقوة من أيدي الصهاينة المجرمين، الذين لا يملكون قيمًا ولا مبادئَ ولا أخلاقًا إنسانية، وليس في قلوبهم المتوحشة أي رحمة ولا شفقة، وهم يدَّعون بأنهم شعب الله المختار وأصحاب الأرض المقدسة الموعودة.

لقد انكشفَ للعالم أنَّ الصهاينة هم العدو ومَصْدَر الخطر والظلم والعدوان وزعزعة الأمن والاستقرار، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وسيظلُّ الصهاينة كما هم عليه منذ عقود في الكذب والخداع والتضليل لدول العالم؛ لأنهم لا عهدَ ولا ميثاقَ لهم، ولا ينشدون السلام؛ فغايتهم الحرب والدمار والخراب والاستيلاء بالقوة على الأراضي الفلسطينية وأراضي الدول المجاورة لإقامة دولة إسرائيل الكبرى اليهودية.

لن تدوم دولة تُبنى قواعدها وأعمدتها على الظلم والإرهاب والعدوان، وسوف تسقط إسرائيل عاجلًا أو آجلًا، وبإذن الله سيكون المشهد الأخير في المعركة انتصار غزة وشموخها، وانسحاب الصهاينة مُنكَسرين خائبين، يجرون أذيالَ الهزيمة والخزي والعار.

* محامٍ ومستشار قانوني