خير أيام الدنيا أقبلت

 

حمد الحضرمي **

 

الحمد لله الذي أعزَّنا بالإسلام وأكرمنا بشهر رمضان، وجعل العشر الأواخر منه من أفضل الأزمان، وقد خصَّ الله العشر الأواخر من شهر رمضان لوجود ليلة القدر فيها، والتي أنزل فيها القرآن، لذلك فهي لها أهمية خاصة ومكانة كبيرة في قلوب المُسلمين، لذلك يتسارع المؤمنون من خلال تلك الليالي العشر حتى ينالوا الحسنات والأجر العظيم من الله.

إنَّ العشر الأواخر من شهر رمضان أيام خير وبركة ورحمة ومغفرة، ما أسعد من تعرض لنفحاتها والتمس بركاتها، فأحسن ختام الشهر الكريم مقبلًا على ربه جل وعلا مجتهدًا في طاعته، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها، وقد جاء في الحديث "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره".

والواجب على المُسلم استثمارها واغتنام كل لحظة ونفس فيها بالطاعات والقربات، وأهم عمل في العشر الأواخر من رمضان هو ترك الخصومة والتباغض والتشاحن وتصفية القلوب من الغل والحقد والحسد والكراهية تجاه الأهل والأقارب والأصدقاء وكافة المسلمين، فبادروا بالعفو عن النَّاس في هذه الأوقات الفاضلة والنفحات الربانية المباركة، لأنَّ الحسنات فيها تتضاعف والذنوب فيها تغتفر، وعليكم بالاعتكاف والخلوة مع الله، لأنَّ المعتكف ينقطع فيه عن الخلق ويتصل بالخالق لمُناجاة ربه وذكره ودعائه.

ومن أفضل أعمال العشر الأواخر من رمضان قيام الليل، فهو سبيل المُتقين إلى رضا الله رب العالمين، والاجتهاد في الدعاء خاصة الليالي الوترية التي يتوقع فيها ليلة القدر، فهي ليلة الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل، وكذلك تقديم الأعمال الصالحة كالتكافل والتراحم والعطاء والصدقة وقضاء حوائج النَّاس والإنفاق في سبيل الله، حيث تتجسد بهذه الأعمال معاني الرحمة والرأفة والإنسانية في هذه الأوقات الفاضلة.

وصدق الشاعر في وصف الأيام والليالي المُباركات من شهر رمضان المبارك، إذ قال:

أما قد خصنا الله بشهرِ أيما شهرِ

بشهرِ أنزل الرحمن فيه أشرف الذكرِ

وهل يشبهه شهر وفيه ليلة القدرِ

فكم من خيرٍ صح بما فيها من الأجرِ

روينا عن ثقات أنها تطلب في الوترِ

فطوبى لأمرئ يطلبها في هذه العشرِ

ففيها تنزل الأملاك بالأنوار والبرّ

وقد قال سلام هي حتى مطلع الفجرِ

ألا فادخرنها إنها من أنفس الذخرِ

فكم من معتقٍ فيها من النار ولا يدري

 

فاللهم بلغنا العشر وأعنَّا فيها على الذكر، واكتب لنا فيها الأجر، اللهم بلغنا ليلة القدر، واجعلنا فيها من المقبولين، اللهم اجعل هذه الليالي تفريجًا لكل هم، واستجابة لكل دعاء، وغفران لكل ذنب، وهداية لكل عبد، ورزقًا لكل محتاج، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنَّا، يا الله اجعلنا ممن غفرت لهم، ورضيت عنهم، وحرمتهم على النار، وكتبت لهم الجنة نحن ووالدينا ومن نحب من الأهل والأقارب والأصدقاء.

إن شهر رمضان قد عزم على الرحيل، ولم يبقى منه إلا القليل، فمن أحسن فيه فعليه التمام، ومن كان فرط فليختمه بالحسنى، فالعمل بالختام، فاستمتعوا منه فيما بقي من الأيام والليالي المباركات، واستودعوه عملًا صالحًا يشهد لكم به عند الملك العلام. ولا تنسوا إخوانكم المستضعفين في كل مكان من دعائكم وخصوا في دعائكم إخوانكم المجاهدين في غزة وفلسطين، اللهم سدد رميهم وثبت أقدامهم واربط على قلوبهم واقذف الرعب في قلوب الصهاينة ومن والاهم، اللهم لا تُحقق لليهود في فلسطين غاية، ولا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية، يا مُجيب دعوة المضطرين نرجوك أن تجيب دعواتنا بفضلك وكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين.

** محامٍ ومستشار قانوني